المال العام

الشيء الذي يدعو للغرابة أن يتضاءل العمر الافتراضي للأغراض الحكومية بشكل كبير قياسا بما بين يدي الأفراد أو القطاع الخاص ! سواء كانت أجهزة وأدوات أو مكاتب وسيارات وغيرها …ليس لرداءة النوع ولكن لسوء الاستعمال في كثير من الأحيان .
فالمعروف أن الجهات الرسمية تحرص على اقتناء أجود الأصناف وأفضلها دائما ، ولكن سرعان ما تتعرض لتلف سريع وتبديل أسرع.. بما يكلف الدولة الكثير إذا ما حسبت بالكم الكبير الذي يتم توفيره سنويا على مستوى الدولة .
فنجد السيارات الحكومية – على سبيل المثال – في حالة غير جيدة بعد مدة وجيزة ، لسوء الاستخدام ! فبعض من يقودونها لا يبالون بها ولا يهتمون بسلامتها بخلاف سياراتهم الخاصة على اعتبار أنها من حق الحكومة ، فهم يجوزون لأنفسهم تلك الممارسات الخاطئة دون اعتبار للملكية العامة التي يفترض المحافظة عليها مثلها مثل الملكية الخاصة .
وينسحب ذلك على كثير من الأدوات والأجهزة الأخرى التي تتبدل في كل مرة بحجة تلفها .
وليت الأمر يقف عند ذلك بل يمتد إلى مكاتب المسؤولين التي يجري تغييرها دونما سبب وجيه لذلك سوى أنه مر عليها كذا من الأعوام ، فعدد من المديرين الذين يتسلمون بعض الإدارات تكون أول قراراتهم استبدال المكاتب السابقة وتوسيع مساحة المكاتب بإدخال غرف أخرى إليها .
حيث يقول موظف في إدارة حكومية بإحدى المناطق بأنه تعاقب على إدارتهم عدد من المديرين في سنوات قلائل ، يبدأ كل واحد – حال استلامه الإدارة – بتوسعة الغرف وتبديل الديكورات وتجديد المكاتب ، لدرجة أن الأخير منهم وكما يقول يكاد يتناصف المبنى مع بقية الموظفين . في وصف مبالغ فيه لما آل إليه مكتب سعادة المدير بعد هدم الحوائط لتوسعة مكتبه في مظهرية تدعو للدهشة ، خاصة وأن بعضهم استمرأ هذا التصرف وكأنها من أملاكهم الخاصة يتصرفون فيها كما يشاءون .
ومما يدعو للحزن والألم معا أن مثل هذا العمل ، يقابله تأخر في مجال العمل الوظيفي ونقص في الانتاجية وضعف في الأداء ، وهي نتيجة طبيعية لمن يضع نفسه فوق العمل ويسخر الوظيفة الرسمية لخدمة مصالحه الشخصية . فهؤلاء الذين استسهلوا االصرف الكبير من أموال الدولة على أمور تخصهم .. ربما اعتبروا ذلك أمرا لا يستحق السؤال لأنه ( من حق الدولة )
حقيقة مثل هذه الممارسات غير المسؤولة تولّد خبرات تراكمية مجتمعية سلبية بإهمال أملاك الدولة وإهدار المال العام بلا مبرر . وبالتالي فإننا مع هذا السفه نتأخر في معالجة تصرفات الجهلاء والصغار فيما يتعلق بالمرافق العامة الذين لا يتورع الواحد منهم من تحطيم بعض الأبنية وتكسير الأخشاب وتهشيم الزجاج وقص الأشجار وقلع الأرصفة وتخريب دورات المياه والكتابة على الجدران … فهم يعبثون بالأملاك العامة دون أن يعلموا بأنها لهم ولإخوانهم وأبنائهم من بعدهم ، كونهم لم يتشبعوا بالوطنية على النحو الصحيح .
وربما يكون ذلك هو نفس الشعور لدى الذين ينظرون إلى أن حق الدولة مهمل وليس عليه رقابة ومن يتصرف بأي طريقة لن يجد من يدقق عنه السؤال .
لن نستطيع أن نعلم الأطفال الصغار قبل أن يتعلم الكبار ، ولن نتمكن من إيقاف مسلسل العبث اليومي في المرافق العامة مالم تسن الأنظمة الصارمة التي تبدأ بالعابثين الكبار !
فحق الدولة لا بد أن يحفظ وأملاكها يجب أن تصان لأنها لنا جميعا ولأخواننا وأبنائنا من بعدنا ، ومن المهم أن يحس الجميع بذلك وأن يستشعر الكل ما يجب نحو الوطن الغالي .
التصنيف: