اللغة العربية بين طمس الهوية والمزج بلغات أجنبية
[COLOR=blue]تيسير اسماعيل صالح[/COLOR]
اللغة العربية لغة القرآن هذه اللغة التي بات البعض يدخل إليها مصطلحات وكلمات أعجمية وأجنبية ، من اجل التظاهر بالتمدن والرقي بين أوساط المجتمعات ، وقد نسي هؤلاء إن هذه اللغة هي لغة القرآن ، هي لغة الأدب والشعر ، وباتوا يدخلون عليها مصطلحات أجنبية.ومن الجدير بالذكر أن أغلب الاعلاميين ومقدمي ومقدمات البرامج ، يتغنون بخلط اللغة العربية بمزيج بكلمات هائلة من اللغة الانجليزية ، وكأنهم باتوا يخجلون من لغة القرآن الكريم ، وللأسف الشديد نرى حتى المسؤولين والفنانين والمثقفين كذلك يتفاخرون مزج اللغة العربية بالعديد من كلمات اللغات الأخرى ، حتى انك تشاهد برامج تلفزيونية ضخمة على شاشات عربية تسمى باسماء لغات غير عربية وبالأغلب باللغة الانجليزية، حتى انك ترى عند مشاهدتك للإعلانات التجارية على شاشات الفضائية العربية تجد ان الشركات باتت تنعت نفسها بأسماء أجنبية ، بالرغم انها تسوق منتجاتها في البلاد العربية فقط ، وحتى أن أسماء المحلات تجدها في قرى الريف حتى تعنون باللغة الانجليزية , حتى انني كنت في حضرة طلاب من المدرسة فسالتهم ماذا يعني باللغة العربية الشخص الذي يعمل في المطعم ؟، فكان الجواب من اغلبهم \” الجرسون\” ولم يعلم احد منهم ما هي الكلمة المرادفة بالعربية لكمة الجرسون وهي \” النادل\” باللغة العربية .
هنالك العديد من الآراء في أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث النبوي أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم أول من فتق لسانه بالعربية المبينة وهو ابن أربع عشرة سنة بينما نسي لسان أبيه، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم في الجنة، إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أيا من تلك الادعاءات.
وفي هذا الإطار نجد أن الفقيه والباحث اللغوي محمد عبيد الله، قد سبق أغلب الباحثين في زمانه إلى تفصيل أصول اللغة من خلال البحث في الحروف وجذورها، فأصدر كتابا مرجعيا في هذا الشأن إستند فيه إلى معجم ألفاظ القرآن الشهير للعالم الجليل محمد فؤاد عبد الباقي.ومن فضل الله علينا ان خصنا الله بخواص ومنحنا مزايا لا نظير لها فكانت اللغة على رأس تلك المزايا، الأمر الذي أهل علماء اللغة أن يكونوا على علم ودراية بمراتب أهل الأرض وملائكة السماء، ومرجع هذا يعود إلى كمال اللغة وفصاحة اللسان، ومن الجدير بالذكر ان اللغة قد نشأت في عهد ادم لقول الله تعالى \”وعلم ادم الاسماء كلها .\”
\”ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون\” اي ان كافة مفردات القران عربية خالصة متوازنة منضبطة في اطار اللغة، مفصلة في فصائل وأسر، كما نراه في (الطير والطائرة والطيار والطيران)تجدها منضوية تحت جذر واحد، في حين لو نظرت إلى هذه المسميات في اللغة الإنجليزية وجتها مختلفة متنافرة .
اللغة العربية هي أشرف اللغات ، وهي شعار الإسلام ، ولهذا اختصها الله تعالى وأنزل بها أفضل كتبه ، وهو القرآن الكريم ، وجعلها لغة خاتم الرسل وأفضلهم ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فينبغي للمسلم أن يعتز بتلك اللغة ويحرص عليها ، ولا يتكلم بغيرها إلا لحاجة . ومن هنا ومن هذا السياق؛ فإنني أرى أنه لابد للجهات الرسمية من ممارسة دورها في هذا الشأن بحيث تصدر تشريعات رسمية لا تسمح للفضائيات بإضعاف اللغة العربية الفصحى، وألا يسمح لها باستخدام اللهجة العامية بأي حال من الأحوال لأن دَور الإعلام كبير وخطير في التأثير على عقول الشباب والناشئة والأطفال، ولابد من الاستغناء عن جميع المذيعين ومقدمي البرامج الذين لا يتقنون اللغة العربية الفصحى واستبدالهم بمن يتقنونها ويعتزون بها ، وكذلك جعل المعلمين في المدارس يتحدثون باللغة العربية الفصحى مع الطلبة في الحصص الصفية ويشجعون طلابهم على ذلك وليس في حصص اللغة العربية والتربية الإسلامية فقط، بل في حصص الرياضيات والعلوم والفنون والرياضات وجميع المواد الدراسية إلى أن ترجع اللغة العربية إلى قوتها ورونقها بين أبنائها.
والعمل على تشجيع المسابقات باللغة العربية ووضع الحوافز لذلك.. وكذلك تشجيع دراسة تخصص اللغة العربية في الجامعات العربية، حيث أصبحنا نرى العزوف عنه إلى تخصصات أكثر جذبًا في مسمياتها وأكثر ترويجًا لها كالتصميم وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات.. فقد غدا عدد من يَدرُس اللغة العربية في أي جامعة عربية لا يتجاوز أصابع اليدين في كثير من الأحيان، وأصبحت الجامعات التي تُدرّس تخصص اللغة العربية قليلة ونادرة وخاصة فيما بين الجامعات غير الحكومية، ولابد من جعل اللغة العربية الفصحى لغة الجامعات والحديث في المحاضرات الجامعية، مع العمل على تدريس مساقات في اللغة العربية لجميع التخصصات وجعلها من متطلبات التخرج، لأنّ تعلم اللغة العربية من الواجبات على المسلم كتعلم علم التجويد لإتقان تلاوة القرآن الكريم، فتعلمها لا يقل شأنا عن تعلم علم التجويد لما لها من تأثير على المعنى.
ومن جانب آخر، لابد للمساجد من القيام بدورها من تقديم دورات تعليمية مجانية لتعليم قواعد اللغة العربية للناطقين بها ولغير الناطقين بها أيضًا لنشر الدين الإسلامي، وعلى الآباء تشجيع أبنائهم على إتقان اللغة العربية والقراءة بها لكتب ومجلات وموضوعات، بل محاورة الأبناء باللغة الفصحى أحيانا وتعزيز الافتخار والاعتزاز بها في ذات أبنائهم، فالعودة إلى اللغة العربية هو أحد أسباب قوتنا ونصرنا من الله وتوكلنا على الله؛ لأنها عودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وعصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. الذين كانوا يتقنون اللغة العربية الفصحى، وكانت لغة حديثهم اليومي فكرّمهم الله تعالى ورفع شأنهم بين الأمم في الدنيا والآخرة بما استحقوا واتبعوا، مقارنة بأبناء اللغة العربية اليوم الذين زاغوا عنها فقلَّ شأنهم بين الأمم والشعوب، وقلت بركتهم ومنعتهم وزادت غُربتهم وبُعدهم عن هويتهم العربية والثقافية، وانحرفوا عن جادة الصواب والكتاب و ينبغي ألا نكون نحن أبناء اللغة العربية أول من نحاربها ونبتعد عنها.
التصنيف: