الكِيْف من التَكيُّف مع التغَيُّرات المكانية والنفسية على أن يصل في نهاية المطاف إلى حالة مناسبة وملائمة ومزاج مبتهج …. بمعايشة ما يُقرأ ، يُكتب و يُسمع أو يُؤكل ويُشرب….يجد بعضنا مزاجه في استرخاء مع فنجان شاهي وورقة وقلم يُسَطِّرُ خلالها أفكاره وذكرياته وأحاسيسه.
كان سيدي “طه ياسين صابر” تاجراً بسوق البدو بجدة يبيع احتياجات أهل البادية … لرواد السوق من القرى العديدة حول مدينتنا جدة.
في أحد الأيام عزم أحد زبائِنهِ من البدو و يدعى “شعلان” على وجبة الغذاء في بيته الواقع فوق دكانه بسوق البدو، بدأ بتقديم القهوة العربية بالهيل والقرنفل وصَّب له فنجان القهوة لكن عباه (ملأه) زيادة وطبعاً شعلان ماعجبه، حيث أن البدو ينتقدون ولا يستلطفون تعبئة فنجان القهوة.. “بل يعتبرون تعبئته أكثر من الثلث أنَّ الضيف غيرُ مُرَحَبٍ به وعليه أن يغادر سريعاً”…
فقال شعلان لسيدي طه :
“الكِيْف ياطه سواة الفرنجة
ماحد يُصْب الكِيْف فنجان مليان”
فرد سيدي طه قائلاً
“الكِيْف وأهل الكِيْف ماهم بميزان
والباخِسة* ما ترتضي بالديب شعلان”
اندمجت الحضارات …اليوم صار ما يهم البدو ولا الحضر تعبي (تملأ) الفنجان لعينه ولا تنقصه شوية كله زي بعض وذلك مع كثرة الإختلاط مع وفودالحجيج والمعتمرين من أصقاع المعمورة ..
فمنذ زمن طويل كَيَّف العديد من أهل جدة على مانسميه القهوة التركية والتي قدِمت إلينا مع الأتراك والشوام ….ولا أعلم مصدر ….قهوة اللوز….وهي حلوة الطعم مفضلة في المناسبات المفرحة عند أهل جدة…. حتى اليوم.
وكَيَّف شبابنا اليوم على أنواع عديدة من القهوة …مثل النسكافه،الكابتشينو ،الميكاتو ،الموكا… وخلافه. وأخيراً…كما قلتُ أنَّ الكِيْف من التكيُّف ليس فقط للمزاج …..بل للتعايُش مع الأحداث والتغيرات….حتى نصبح جزءاً من عالمنا السريع التغيُر…. ولكن مع المحافظة على قيمنا الدينية والأخلاقية التي حرص آباؤنا وأمهاتنا ومجتمعُنا الجداوي على غرسها في تعاملاتنا اليومية.
وأترك لشبابنا وصيةً أخذتها من عمي حسن طه صابر (رحمه الله) قال فيها “من عاش مُدَبِّر …. مات مستور”
وقد تكون عبارة معروفة لدى أهالي جدة…. ينصحون بها كلما لاحظوا التبذير.
نعم لِنُدَبِّر أحوالنا وتعاملاتنا
في جميع شؤون حياتنا بدون إسرافٍ ولا تبذير..
فلنأخذ مما أعطانا الله ما نحتاجه ونُدَبِّر يومنا بقليل من الموجود بدون تقتير ولا تبذير …..سواءً في المأكل والمشرب أو في الملبس والمسكن.
وبذلك تنتهي حالات التفاخر أو ما يسمونه “هِياط” هذه الأيام….. وهي كلمة ليست من قاموس أهل جدة….. بل نقول فشخرة و بَعْزَقَة (أي صرف المال في غير محله) …. ونقول “اللي عنده قرش ومْحيِرُه يشتري طيْر ويُطَيِّرُه”.
كان الراجل ومراته يدبروا نفسهم يوم… بيومه حتى تنفرج فيفرحان بما جاءهما من عند الرزاق الكريم …و ” يرفعوا القرش الأبيض لليوم الأسود”
هذه قيمُنا وتعايُشنا مع واقعنا في الزمن الجميل…. وتستمر على يد شبابنا بتوفيق من الله……… ونجتهد في التعامل مع التغيرات الجديدة فنخفض… استهلاكنا للبنزين والموية والكهرباء وخلافه…. بدون تقتير ولا تبذير.
• الباخِسة: أي الناقصة

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *