الكونية على طريقة الشابي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]منيرة رزقي[/COLOR][/ALIGN]

كان «إدغار موران» على حق وهو يربط بين الكونية بمفهومها الشمولي والمحلية بمعناها الضيق المخصوص. فقد أثبتت التجارب ان القامات الشامخة في مجال الابداع تلك التي نحتت لنفسها مكانا ومكانة في المدونة العالمية قد تميزت بنكهتها المحلية وبتفردها وعبقريتها.
ولن نجانب الصواب اذا وضعنا الشاعر الخالد ابو القاسم الشابي مع باقة هؤلاء المبدعين الذين صنعوا للتاريخ ازهى أمجاده. وفي هذا الصدد يمكن ان نجزم ان الشابي الذي كان مهموما بقصيدته ومتنقلا في ربوع «تونسه» الجميلة، من جريدها الى اقصى الشمال متتبعا تعاقب الفصول ومراقبا مزاج الطبيعة الذي ألهب خياله فكتب اروع القصائد، لم يكن معنيا من بعيد او قريب بمعنى الكونية بل ان المفهوم ذاته يمكن القول انه جديد نسبيا افرزه عصر التكنولوجيا، فقد كان منهمكا في محليته لا يعرف غيرها حتى انه عندما كان يتبادل الرسائل مع احمد زكي ابو شادي ويرسل اليه قصائده لم يتخل عن ذلك الانتماء العميق بل والوحيد الى حبيبته تونس. فمنها انطلق الى العالم العربي لينشر في مجلة آبولو، ويعبر عن رؤاه واحلامه ولا سيما ثورته على المستعمر.
اما مناسبة هذه الكلمات فهي تلك الاحتفالات والتظاهرات العديدة غربا وشرقا عن الشابي بمناسبة مائويته الى جانب طبعا تلك الفعاليات التي خصته بها تونس بكل جهاتها والتي تعكس تجذر هذا الشاعر في تربته حتى انه لم يغادر الاذهان اطلاقا.
وكأن هذا الشاعر الذي لم يعاصر مصطلح الكونية قد حقق كونيته بطريقته الخاصة وحقق الخلود الذي هو اقصى احلام المبدعين جميعا.
ولعل اصالة عبقريته هي التي جعلته يخلّد في الأذهان وليس بين دفتي الكتاب.
ولا شك ان المهتمين بالشأن الادبي وعشاق ايقونة تونس الخالدة قد لاحظوا الحظوة التي ينالها الشابي هذه الايام سواء في المشرق العربي او في بعض البلدان الاوروبية وفي بعض الفضائيات العربية التي خصصت حيزا مهما في برامجها للحديث عن مدونته الشعرية الصغيرة نسبيا وعن حياته القصيرة ورغم هذا حقق كل هذا الألق.
انه الدرس الذي يلقنه الشابي لكل من يهرول نحو العالمية دون ان يكون مسلحا بالنبوغ وبالخصوصية.. فعسانا نتعلم الكونية على الطريقة «الشابية».
جريدة الصحافة التونسية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *