[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]

تصلني رسائل إلكترونية تطلب مني الكتابة عن موضوع معين. وإذ أشكر كل من كتب إلي أحب أن أقول: لا يصلح كل كاتب أن يكتب في كل موضوع. فالكلمة مسؤولية، ولا ينبغي أن تُطلق بلا حساب، لاسيما وأمامنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم)، رغم أني لا أبرئ نفسي من الزلل.
تساءل أحدُهم: كيف لا يستطيع الكاتب أن يخوض في كل موضوع؟ فقلت له: لدينا في كلية الهندسة اثنا عشر تخصصاً (وكلها حصلت على الاعتماد الأكاديمي من هيئة الاعتماد الأكاديمي العالمية) فهل يمكنني أن أدرّس في كل هذه التخصصات وأنا أصلاً مهندس؟ ثم لماذا لا نستشير طبيب العظام في آلام الحنجرة؟ وهو طبيب في الأصل؟
جاءتني رسالة تطلب مني أن أكتب عن موضوع بعينه. فأخبرت مرسلها بأن الموضوع جميل، لكنه يحتاج لإحصاءات لا أملكها، فأرسل لي عدة روابط على الإنترنت تتكلم عن الموضوع. دخلت مواقعه فإذا بها منتديات! وأقولها بصراحة: المنتديات ليست مصدراً للمعلومات، إذ يكتب فيها أي أحد كما يريد دون رقيب، ودون مراعاة لصحة المعلومات، أو صحة النقل. فطلبت من المرسل أن يمهلني حتى يتيسر لي قدر كافٍ من الإحصائيات.
أعجبني فعل أحد الأصدقاء حيث يكتب في نهاية كل رسالة من رسائله بيتين من الشعر:
وما من كاتبٍ إلا سيفنى
ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غيرَ شيء
يسرك في القيامة أن تراه
وسمعت من شاعر مرة أن أحد أصدقائه فقد عزيزاً، فطلب من الشاعر أن يكتب له قصيدة رثائية، فقد ظن أن الشاعر يستطيع أن يكتب شعراً في كل مناسبة، تخصه أو لا تخصه، ولم يدرك أن المعاناة هي التي تخرج الشعر من القلب المكلوم، وإلا يكون شعره مجرد كلمات منظومة خالية من العاطفة.
وفي برنامج إذاعي مع أحد المشايخ اتصل شخص بالشيخ وطلب منه أن يقول للناس: كذا وكذا. فأراد الشيخ أن يناقشه بما قال فإذا به قد أغلق السماعة. فقال الشيخ: وهل مثل هذا يملي علي ماذا أقول؟ وهل أعطي الناس فتواه؟ أم أفتي من خلال ما أعلم؟
ومن مسؤولية الكلمة أن يعرف الإنسان حدوده، فإذا كانت حريته تخوّله أن يقول ما يريد، فعليه أن يعرف أيضاً أن حريته تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين. فإذا قال فيهم ما سمعه عنهم، دون أن يتحقق، فهذا هو الإفك، وإذا قال فيهم ما ليس فيهم فهو البهتان. ومن هنا أقول: إن الكلمة الجادة المسؤولة تحمل في طياتها قبولاً وترفع صاحبها في أعين الناس.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *