الأصل في اثبات أي تعدٍِ هو الإتيان بالشُهود الثِقات.. وكان قد وضع هذا التشريع في زمن تصغر فيه المستوطنات ويقل فيه المستوطنون بحيث تقع الأحداث على مرأى من الناس وغالبا ما يعرف الناس بعضهم البعض وبذلك تكون فرصة وجود شهود للإيذاء في العموم أكبر من عدمها إلا ما تمَ في السِتر. والشاهد هو من شاهد بعينه أو سمع بأذنه وليس نقلا عن من شاهد أو سمع. وكان التَقاضي آنذاك يتم في اللحظة والحين والجوار فلا تتعطَل به مصالح الشُهود ولا يتكاسلون عن الشَهادة. ثم تطوَرت الأزمنة والأمكنة فاتَسعت وتشعترت وامتلأت بالناس حتى أصبح الجار لا يعرف جاره.. وأنشئت المحاكم المترامية وتكدَست بالقضايا التِي تستغرق الشهور والسنين وتستهلك الطاقات والأموال في مدِ وجزر.
الشَاهد في الحديث ان ايجاد الشُهود في زمننا ناهيك عن اقناعهم بدخول أروقة المحاكم وتقديم شهادتهم لم يعد من السهولة في شيء، فالمارَة غالبا لم يشهدوا القصَة من أوَلها، وان شهدوها وسمعوها لن يكونوا على أتم استعداد للإدلاء بهويَاتهم وعناوينهم لطلبهم للشَهادة لاحقا، فكل منشغل في سعيه ورزقه ومصالحه التي قد تتعطَل بالتزامه. ولكن ديننا صالح لكل زمان ومكان.. كيف؟ “علَم الإنسان مالم يعلم”.. فالدعوة بعد ان كانت لا تحصل إلا بشد الرحال أصبحت تتحقَق بالتِلفاز والإنترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة.. نفس التكنولوجيا التي أتت لنا بالكاميرا والتِي لا تتعدَى كونها محاكاة للصَوت والصُورة بدقَة متناهية كما تراها عين الشَاهد وتسمعه أذنه.. بل أدق وأصدق.. حتى أنَ التسجيل الصوتي والصُور ومقاطع الفيديو أصبح يؤخذ بها في المحاكم حول العالم تماما كما يؤخذ بشهادة الشَاهد وأكثر بعد التأكد من عدم العبث بها وتلك مسأله بسيطة علَمها الله للإنسان كذلك. إلاَ هنا!
هنا لدينا خصوصية شديدة الحموضة تجعل ما يحدث في العالم لا يحدث عندنا وما يحدث عندنا لا يحدث إلا عندنا!
فمن يقومون بتصوير موظفِي الدولة في تجاوزهم على حقوق الناس أو المتحرشين والمتعدِين عموما تنقلب الطاولة عليهم ويوضعون في قفص الاتِهام والتُهمة تصوير موظَف الدولة وهو يقوم بعمله أو تصوير شخص بدون علمه أو موافقته..!!!! هذا يعني أن الكاميرات التي توضع في المنازل لتصوير اللصوص والمتسلِلين حريٌ أن تكون أكثر حرمة.. فهم في مكان خاص يفترضون أنه لا يوجد من يراهم أو يسمعهم، أما الموظَف أو المتحرِش ففي مكان عام وعلى مرأى ومسمع من العامَة ولم يتم اقتحام خصوصيَته بأي شكل من الأشكال، عوضا عن أن الغرض من التَصوير توثيق التجاوز واثباته سعيا لأخذ الحق، فكيف يكون توثيق التَجاوز بحد ذاته تجاوزا؟ ولم يشعر بالتَهديد من الكاميرا من لم يتجاوز؟ فليعتبرها عيناً من أعين المارَة.. فالكاميرا مجرَد شاهد العصر.
انَ تصعيب عمليَة رصد المفسدين ليس من مصلحة من لا يريد فسادا، ولذلك فالأجدر التشجيع على رصد التَجاوزات في نطاق الأماكن العامة، كما أنَه يجدر وضع نظام الكتروني على غرار “ساهر” غير أنَ الناس هم أبطاله بحيث يضعون فيه التجاوزات التي قاموا بتوثيقها بالصوت أو بالصورة أو بالاثنين معا حتى يسهل اثباتها ومحاسبة الفاسدين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *