الفلاح والتاجر والوزير قرأت قبل يومين بالصدفة في كتاب ” فجر الضمير ” لجيمس هنري قصة لأحد الفلاحين في عهد الفراعنة عزم على الرحيل بعد أن أصاب قريته الجدب ليجلب لبيته بعض الزاد والمؤونة من ديار بعيدة ، ولم يكن معه سوى حمارين ، فقرر أخذهما معه ، بثمن أحدهما يبتاع حاجته من حبوب القمح والذرة والعدس ثم يعود بها على الحمار الآخر ،

في طريق رحلته كان يقطن منزل وبساتين أحد الأثرياء المقربين من السلطة ، ولسوء حظه لمحه ذلك الثري من بعيد دون أن يعلم ، فطمع الثري بالحمارين وقرر أن يستولي عليهما ، فأمر خدمه على الفور بمد بساط يسد الطريق ، ونشروا فوقه الحبوب بحجة تجفيفها ، تاركاً مسافة ضيقة بين البساط والبستان الذي يملكه لكي يضطر الفلاح أن يسلك هذا الممر الضيق ، لعل الحمارين أو أحدهما يصيب شيئاً من الحبوب المنشورة أو الزرع في البستان فتكون له ذريعة في اغتصاب الحمارين ، وهذا ما تم بالفعل ،

حيث أخذ أحد الحمارين قضمة عابرة من الحقل ، فقبضوا عليه وصادروا الحمارين ثم أطلقوه ، ولما لم تفلح توسلات الفلاح في استعادة الحمارين قرر فضح ذلك الثري في السوق ،

وما إن وصل السوق حتى صاح بالناس واجتمعوا ، فاندهشوا من فصاحة لسانه وقوة بيانه ، وكأن ما يتلوه عليهم شعراً لا مظلمة ، فلما انتهى تقدم منه أحد التجار ، وقال يجب أن ترافقني لقصر كبير التجار ليسمع هذه الديباجة الكلامية ، فذهب معه ، وحينما وقف بين يدي كبير التجار ألقى عليه مظلمته بأفصح مما كانت عليه في السوق ،

فصفق بإعجاب شديد ، وكافأ التاجر على ذلك قبل أن يصرفه ، واستبقى الفلاح ليبيت معه حتى الصباح ليفاجئ به مجلس الوالي ،

وحينما أتى الصباح صدح الفلاح بما جادت به قريحته بين يدي الوالي بأجمل مما قاله في مجلس كبير التجار ، فانبهر الأخير وأمر لكبير التجار بمكرمة مجزية ثم صرفه ، واستبقى الفلاح ليعرضه كذلك على وزير ناحيتهم ، فحصل الوالي على مكافأته من عرض الفلاح من يدي الوزير وقام الأخير بحجز الفلاح ليتملق الملك به ، لكن الأخير لسوء الطالع عزل الوزير قبل أن يسافر إليه بالفلاح ، فطُرد الأخير شر طرده بعد أن تكسب من قضيته الكثير من الانتهازيين بدءاً من تاجر السوق البسيط وانتهاء بالوزير .

لا شك أن هذا الفلاح وحماريه وأولئك الولاة الذي تنادوا وتسامروا على خطبه ومظلمته قد ماتوا وشبعوا موتاً ، لكن الذي لم يمت إلى الآن هي المتاجرة بقضايا الناس ومظالمهم والتكسب بها ، استخدموا في الانتخابات ووظفوا في إشعال الثورات ، وها هم اليوم في الحروب يساقون سوقاً تحت رايات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ،

فمتى يعي الناس ذلك وينأوا بأنفسهم عن تجار السلطة والدمار ، أولئك القلة الذين لا يرون في المهمش أو الفقير إلا قنبلة متحركة يوجهها بالتهييج والوعود الكاذبة لمآربه وأطماعه فقط ، ثم إذا تحققت أقفلوا أبوابهم وتنصلوا من عهودهم كما تنصل ذلك الوزير من الفلاح وحماريه ؟

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *