الفكر الاستعلائي .. إلى أين؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد اللطيف البريجاوي [/COLOR][/ALIGN]
ظاهرة غريبة تسود العالم من الدول إلى الشعوب إلى الأفراد ..إنها ظاهرة الفكر الاستعلائي ويمكن تعريف هذه الظاهرة بأنها \” ذلك الفكر ذو الاتجاه الواحد والرأي الواحد مع ادعائه بحرية الرأي للجميع \” .فعندما يتحاور اثنان ويحكم أحدهما بأنه لا ينفع الحوار فماذا ينتظر بعد ذلك من يعطي القرار بمنع الحوار ومن يجرؤ على ذلك بعد أن فتحه الله سبحانه وجعله وسيلة من وسائل الوصول إلى الحق ..إنها ظاهرة الفكر الاستعلائي تلك الحرية المصطنعة والمختلقة بل الحرية الموجهة التي تسود أغلب العالم اليوم هي أخطر الظواهر على الإطلاق لها ميزات وخصائص متعددة ومتنوعة ومن أهم ميزات هذه الظاهرة:
1- أنها تستخدم مصطلحات رنانة غريبة وعجيبة تسحر العقول وتسبي الألباب ومن هذه الألفاظ النور الحرية والظلام والتساوي والشمعة و و و و ولطالما وقع الكثير من الناس في فخ هذه المصطلحات مع أن الإسلام حذرنا من الوقوع في مثل هذا السحر البياني واللغوي فقال عليه السلام : \” إن من البيان لسحرا \”
2- أنها تسمح بالحريات وتنادي بها وتجهر بذلك والحريات المسموحة بمقدار ما تخدم هذا الفكر الاستعلائي وغيره فهي لا ترضى إلا حرية من طرف واحد ولابد لكل الحريات أن تدور في فلكها فإن خرجت هذه الحرية المسموح بها عن الدوران في هذا الفلك ترى هذه الظاهرة ( ظاهرة الاستعلاء ) تظهر وتستعلي وتكيل الاتهامات وتخلط الحابل بالنابل وتضع أمامنا أخطاء الماضي لتعكر رؤية المستقبل
3- تظن نفسها أنها هي الوحيدة التي تملك الحق فتتصدق به على الناس وما سواها شارد عن الحقيقة جاهل بها بالتالي فهي التي تأمر وتنهى وتتصدق على الناس بالحقيقة وتقرع رؤوسهم باتهامات المختلفة .
4- أنها تظهر الشفقة على الناس وتتود لهم بأساليب مختلفة لتأخذ الولاء لها وتزيد عدد الأجرام في أفلاكها وتحشد حولها الدائرين في أفلاكها
5- ومن أخطر مظاهرها التأويل السافر للقرآن والسنة للإسلام ذلك التأويل الذي يخرج القرآن والسنة عن المقاصد العامة للإسلام فمثلا يفسرون الصوم بالصوم عن الجهل ويفسرون الحجاب بالحجاب المعنوي وغير ذلك .لقد تكلم القرآن عن هذه الظاهرة في القرآن الكريم وأطنب فيها وذلك في مواضع عديد ومن هذه المواضع فرعون مصر الذي جاءه الحق فأعرض عنه فانطلقت هذه الظاهرة لتعبر عن وجودها على لسان فرعون بقوله \” .. قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد \” غافر (29)
وأما الأساليب فهي متنوعة وعديدة منها استخدام الألفاظ والمصطلحات البراقة وهاهو فرعون يستخدم كلمة الرشاد مع أنه أبعد الناس عنها وفي موضع آخر يظهر الشفقة على قومه ويحشد لذلك أكبر عدد منهم ليدوروا في فلكه (وهما أسلوبان من الأساليب 1 -4 مما ذكرنا ) فيقول \” وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد(26) غافر ..فهو يحشد قومه ويستخدم كلمة الفساد وينسبها إلى موسى ويظهر بذلك الشفقة على قومه .زوقارون وهامان وغيرهما من أصحاب الفكر الإستعلائي البغيض.بينما القرآن الكريم يوجهنا إلى عدم الاستعلاء وقبول الآخر ومحاورته والنقاش معه بهدوء للوصول إلى الهدف الأسمى والأنقى \” وجادلهم بالتي هي أحسن \” حتى إن الله أوصل المحاور المسلم إلى مرتبة يضع الإسلام والشرك بمرتبة واحدة للوصول إلى الهدف عندما قال \” وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين \”(24) سبأ ..بل إن الله ألزمنا بذلك وجعل الحوار والدليل هو الحكم والفصل بين الناس \” قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين \” (111) البقرة ..هذا هو الحوار الذي طالبنا به الإسلام وهذه هي صفات الحوار ,وهذه هي صفات الفكر الإسلامي فكر معتدل متزن يسمع ويقبل ويحاور فأين يذهب أصحاب الفكر الاستعلائي بهذا التفكير ذو الاتجاه الواحد والرأي الواحد؟ ,الذين يظنون أنهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة وحدها وهم يتصدقون بها على الناس وهم وحدهم الذين أكرمهم الله بها .ماذا يريدن من أنفسهم أولا؟ ..وماذا يريدون من العالم؟.
التصنيف: