كان لي شرف حضور حفل زواج إحدى صديقات أختي، لم يكن حفلاً عادياً بالنسبة لي، ولكنه كذلك بالنسبة لغيري. لم تتوقف “النقوط” -النقود التي ترمى في حفل الزفاف- من التساقط على رؤوس العروس، والمغنية، والراقصات في الحفل من المعازيم منذ أن دخلنا الحفل حتى خرجنا منه، كما لو كان مطراً انهمر، وأبى أن يتوقف، في موقف يثير الاستغراب، الممزوج بالخوف من غضب الله.
صراحة لأول مرة أرى هذا الكم الهائل في بعض الأفراح العربية ، والمبالغ فيه من “النقوط”، والذي وصل الأمر به أن تخصص عدد من النساء من أعضاء الفرقة الموسيقية لجمع النقود المتساقطة من المعازيم على المسرح، لتسلم إلى نساء أخريات كن قد وضعن آلة لتعد النقود وتحسبها -المستخدمة في المصارف- لعدها وهن داخل الحفل، في مشهد يجعلك تردد بينك وبين نفسك وتقول: “أستغفر الله، اللهم لا تأخذنا بجريرة غيرنا”.
كان وقع الأغاني والموسيقى مع وطء الفتيات على النقود على المسرح مثيراً للرعب في النفس، في وقت كان يمكن أن يتم التبرع بكل هذه المبالغ للفقراء دفعاً للبلاء عن العروسين مثلاً، مع الاحتفاظ بحق الفرقة الموسيقية المشاركة في الحفل بدلاً من هذه البهرجة بعض الأسر في الكم الذي سيتم رميه من أموال على رأس العروس، والتسبب في المشاحنات، والتوعد بالمعاملة بالمثل إن لم تشارك إحداهن بمبلغ محترم “ينثر” على قريبتهن العروس.
أجزم أن هذه الأموال كانت جديرة أن تسلم لشاب أعزب محتاج ليتزوج بها، بل وتعين أسرة في بناء بيتها المتهالك، أو أن يتبنى أحدهم دراسياً ويتكفل بمصروفاته حتى يتخرج في الجامعة، بل يمكن أن تكفل يتيماً لسنوات، وغيرها من وجوه فعل الخير التي يمكن التبرع بها باسم العروسين لتحل عليهما البركة في زواجهما وذريتهما بدلاً من رميها هكذا في مشهد تقشعر له الأبدان. أعلم أن هذه الأموال تعتبر جزءًا من أتعاب الفرقة الموسيقية، لكن، أليس من الممكن أن تدفع أتعابها مسبقاً دون هذه البهرجة ؟
ياسمينة: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *