[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]رحاب شريف [/COLOR][/ALIGN]

حينَ تُرهقنا الأزمات وتعصفُ بنا الخطوب، ونستنفدُ رصيدنا الضخم في الصبر والمصابرة، فإننا حينها لا نبحثُ عمّنْ يحلُ لنا المُشكلات ويُرشدنا إلى الطريق الأمثل، فالغالب نحنُ أصحاب الأزمات أعلم الناس بحلولها المُثلى ونعرف تماما الطريق الصحيح.. فماالذي نبحث عنهُ إذا؟ دعوني أُخبركم..نتفرسُ في وجوه الناس نبحث عن أذنٍ صاغية وصدرٍ منشرحٍ وعقلٍ مُتفهمٍ ورأي سديد وقولٍ حكيمٍ ولكن الأهم مما سبق جميعاً أننا نبحثُ عن شخصٍ كتومٍ ومُؤتمن.وحينَ نبدأ البحث، فإنها عملية قد تطول، لأن الكتمان صفة غَدت في الندرة أصيلة، نبحث عن إنسان يُحصّن السر بكل ما يملك.، نحنُ نبحث عن ذلكَ الشخص الذي حينَ نخبرهُ بأن هذا الكلام سر عليه حفظه مابقي حياً، لا يخون مهما تطلب الأمر، نحنُ نبحث عن إنسان حين نُؤمّنه على أسرارنا لا يذهب لأعز أصحابه ليخبرهُ بأسرارنا ويؤكد عليهِ أنهُ سر فاحفظهُ وهكذا دواليك، نحن نبحث عن الصاحب الذي ينتهي الكلام في جوفه، ويموتُ معه، ويُقبر معه حين يُقبر. يصون الأمانة قولاً وفعلاً مهما حدث.نحنُ نبحث عن الانسان الذي وإن اختلفنا معهُ يوما وطال الخلاف، وتقطع البين، لا يَفضح ولا يَفجر، لايَغدر ولا يَخون، بل يصُون ويُدافع حتى وإن انتهت العلاقة وتحولت تلكَ الصداقة الى عداوة مضطرمة. أتراني أغالي في الطلب؟ وأبحث عن المستحيل..العاقل منا ذلك الذي يتوجه لله عزّ وجل فيسجد السجود الطويل، فيبكي ويحكي ويطنب بمايجول في خاطره، لا يُبقي ولا يذر، فتكون ركعتان طويلتان قد غسلتا قلبه، وطوتا صفحة همه.
من العقلاء من يمسك بورقة وقلم، فيخط اسراره السوداء على صحيفته البيضاء حتى تُظلم، وحينها يكون قد استفرغ من تلك الهموم الثقيلة. بورقة وقلم! أتراني ما أزال أبالغ وأصف المستحيل؟نحنُ البشر في بداية المطاف ونهايته بحاجة إلى شخص يحتوينا، يُربّت على أكتافنا، يحتضننا حين نتألم، يستمع إلينا ولكننا نُريد منهُ أيضا أن يكتم الأمر، فصديقٌ كتومٌ في هذا الزمان لا يُفرطُ فيهِ بمالِ الدُنيا وزينتها، فليس في هذا الصنف تكرار.جميعنا خطاؤون، وخير الخطائين التوّابون، فإن راجعتَ شريطَ حياتك يوماً، وأدركتَ أنكَ خُنتَ عهداً، أو ما راعيت أمانة، أوأفشيتَ سراً، فاقتل سوادَ الماضي بنورِ الحاضر، فالمرءُ من حيث يثبتُ لا من حيث يَنبتُ ومن حيث يُوجد لا من حيث يُولد. وتذكر الآيات الاولى من سورة المؤمنون واتخذها شعاراً: \”والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون\” وكن من تلكَ الفصيلة النادرة التي تُحافظ على العهد وتكتم السر مهما مات الحب وانقطعت العلاقة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *