الـ (بي بي سي)
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] عبدالرحمن بجَّاش[/COLOR][/ALIGN]
كان الحاج «قاسم» والحاج «مُحمَّد» وكُلّ آبائنا من اليمنيين جميعاً، خاصَّةً أُولئك الذين تفتَّحت عُيونهم وعُقولهم بفضل عدن، مُرتبطين طوال أيَّام حياتهم بإذاعة لندن، الحاج «مهيوب» كان يقولها : «إذاعة لندم»، وهي هيئة الإذاعة البريطانية، وما يعنينا هُنا «القسم العربي» منها، الذي ارتبط بالعالم العربي، بل رُبَّما – للأسف الشديد – شكَّل وعيه بدُون هُدى، بسبب تخلُّفنا وبذكاءٍ شديدٍ من قِبَلِهِم، ولا يزال صوت «سميرة المدفعي» يرنّ في الآذان إلى اللَّحظة، ولا أزالُ أتذكَّرُ وعُمري صغيرٌ قياساً بالنُّضج، مُوجز تلك النشرة في الستِّينيات، يوم أن حاصر البعض منزل مُحافظ تعز يومها الشيخ العظيم «أمين عبدالواسع نُعمان»، كان عنوان الخبر «الدماء تسيل في شوارع تعز»، ظلَّت الـ «بي بي سي» تقرّ في آذاننا إلى اللَّحظة، وبرغم أنَّ الفضائيات أغلقت السماوات والأرض، إلاَّ أنَّ أحد كبار مُذيعيها من الأساتذة المصريين، حين سُئل في إذاعة صنعاء عن تأثير الفضائيات على الصوت المسموع، أجاب بدهاءٍ مهنيٍّ عظيم : «ستظلّ الإذاعة ما ظلَّت حاسَّة السمع»!!
ظلَّت الـ «بي بي سي» تدسّ السُّمّ في العسل طوال سنوات عُمرها، وليس ذلك بغريبٍ إذا علمنا أنَّها تتبع «الأسكوتلانديارد» ووزارة الخارجية، لا فرق!! وتعيش من أموال دافعي الضرائب، والقانون الذي تسير بوحيٍ منه ويُؤسِّس لقواعد مهنية، كأن تُطلق على «الفدائيين الفلسطينيين» تسمية «المُخرِّبين»، برغم أنَّها تتحدَّث دائماً عن قواعد أخلاقيةٍ تسير بوحيٍ منها، إلاَّ أنَّ الماء يُكذِّب الغطَّاس، وهُو ما نراه اليوم، برغم حرفيتها واحترامنا لما هُو سمينٌ يخرج عنها في برامج القسم العربي، لكن عليكَ أن تكون حذراً، فـ «قولٌ على قول» كان من أجمل برامج القسم، على سبيل المثال.
دار خلال الأيَّام الماضية نقاشٌ طويلٌ عريضٌ وعلى كُلِّ المُستويات في بريطانيا، شاركت فيه الصُّحف ومُنظَّمات حُقوق الإنسان والجاليات الإسلامية والعربية، كان ذلك ردّ فعلٍ على رفض الـ «بي بي سي» إذاعة نداء إغاثةٍ لغزَّة، وتذرَّعت بـ «حياديتها»، ما فنَّده كثيرون على أنَّ قانونها يُحدِّد معنى «الحيادية» و«الحرفية» حتَّى، لكن ما لم يدركه العرب أو يدركونه ولا يتعاملون معه، هُو أنَّ اللُّوبي الإسرائيلي الصهيوني له حُضورٌ طاغٍ في الـ «بي بي سي»، بدليل أنَّ الحرب على الشعب الفلسطيني في غزَّة تعامل معها في الإذاعة (21) ناطقاً باسم إسرائيل مُقابل ناطقين اثنين للفلسطينيين والعرب، وفي الدمار تخيَّلوا عشرة جُنودٍ إسرائيليين ومدنيين مُقابل (3100) شهيدٍ وحوالي (5000) جريحٍ وآلاف المُعاقين وآلاف الأطفال الذين ستظلُّ البشاعة تُلاحق أحلامهم طوال أعمارهم.
كُلُّ ذلك لا يعني شيئاً في حيادية الـ «بي بي سي» أو تلك الأخلاق التي يتحدَّثون عنها، وبالمُقابل نجد أنفسنا مكشوفين إعلامياً على مُستوى العالم، حيثُ العرب، بدءاً بالجامعة العربية، التي – انعكاساً للضعف والشتات العربيين – لم تكتشف حتَّى اللَّحظة – مثلاً – أنَّ مُعظم اليابانيين ظلُّوا يعتقدون حتَّى العدوان على غزَّة أنَّ العرب هُم الذين يحتلُّون أراضي إسرائيل، ولم يفهموا إلاَّ مع الحرب الأخيرة أنَّ العكس هُو الصحيح، ولأنَّ لا إعلام للعرب في الغرب، فستظلّ العربة أمام الحُصان!!
الإعلام الذي يُسيطر علينا هُو – فقط – تلك الفضائيات التي يظهر فيها الفلسطينيون يصرخون كُلّهم، والخوف أنَّه مع الصُّراخ ستتحوَّل القضيَّة الفلسطينية إلى قضيَّة معابر وتنابزٍ بالألقاب بين قياداتهم، لقد هالني ما سمعته بالأمس من إحدى المُختصَّات بالمُساعدات التي يُفترض أن تصل إلى غزَّة سريعاً، خاصَّةً للأطفال، في الوقت الذي يختلف فيه إخواننا حول مَنْ يتولَّى أمر المُساعدات، مَنْ يُشرف عليها، وَمَن… وَمَنْ…
أخشى القول إنَّ إسرائيل نفَّذت أجندتها، وتعمل من الـ «بي بي سي» إلى «سكاي نيوز» على إعادة تلميع صُورتها بتوجيه رسائل إعلاميةٍ مُكثَّفة، فيما العرب والفلسطينيون، الكُلُّ يصرخ ويصرخ، يختلف ويختلف.
كانت الحرب قد أحدثت زخماً إعلامياً للقضيَّة في الشارع الغربي، أخشى القول – أيضاً – إنَّ الآلة الإعلامية الإسرائيلية ستقلب الآية رأساً على عقب، وسيتحوَّل الفلسطينيون إلى مُعتدين، وانظُر، فحينما أعلنت وقف إطلاق النار من جانبٍ واحد، حاولت الظُّهور بمظهر الضحيَّة المُمتثل لمُطالبات العالم بوقف إطلاق النار.
للمرَّة الألف نقول : يا عرب، اصرفوا قليلاً من أموالكم على الإعلام، وتواجدوا في كُلِّ المُؤسَّسات الإعلامية، في الغرب والشرق، وللفلسطينيين : إذا لم تتوحَّدوا وتُصبح الكلمة واحدةً والبُندقية واحدة، فلن نُعلِّق الآمال لا على «أُوباما» ولا على «ميتشل» أو حتَّى الجنّ الأزرق، وهُناك مسألةٌ مُهمَّة، وهي أنَّ المُصالحة التي يجري الحديث عنها هذه الأيَّام إذا حصلت – فقط – مرحلياً لنعود للزفَّة من جديد، فصدِّقوني أو صدِّقوا صاحب كُلّ عقل، أنَّ القضيَّة برمَّتها ستتحوَّل إلى معابر وضفَّةٍ وقطاع، خاصَّةً وأنَّ الآلة الإعلامية الإسرائيلية تعمل كُلّ لحظةٍ على محو شيءٍ اسمه «فلسطين» من الأذهان، والأهمُّ أنَّها تستميل الشباب الفلسطينيين إلى قضايا فرعيةٍ تُفرغ قضيَّتهم من رُؤوسهم.
عن الثورة اليمنية
التصنيف: