[COLOR=blue]صالح لطفي [/COLOR]
تتعرض البلاد لهزات خفيفة، وبالذات منطقة الأغوار وعلى رأسها مدينة طبريا.. وقد قال وزير الجبهة الداخلية إن الحكومة مستعدة لمواجهة تداعيات الهزات الأخيرة أو أية هزة أرضية قادمة، متوقعا، وفقا لما أدلى به من تصريحات في الكنيست، سقوط أكثر من 7000 قتيل. في المقابل تتوقع دوائر إسرائيلية أنه ستكون هناك هزة أرضية قوية بسبب هذه الارتجاجات من الهزات الخفيفة التي تضرب البلاد، ومن المتوقع أن تدمر هذه الهزة مدنا وقرى بكاملها، حالها حال الهزات الأرضية التي تضرب مدنا وحواضر، بيد أنَّ الأمر عندنا يختلف جوهريا عن مدن ودول أخرى تصاب بمثل هذه الكوارث، ليس بسبب الحالة ذاتها (الهزة الأرضية) بل بسبب العملية الاستعمارية التي مارسها المستوطن الكولونيالي على هذه الأرض فأوجد حالة فريدة من المدينة الوظيفية، الخارقة في السياق الكولونيالي، لأن المدن \” الاستعمارية- الوظيفية\” التي بنيت في البلاد لم تعالج منذ اللحظة الأولى سبل التعامل مع التغيرات الجيولوجية والجغرافية والبيئية، كما هو حال بناء العمران في الأرض… بل سيطر عليهم منذ اللحظة الأولى هوس السيطرة على الأرض وتغيير هويتها المدنية والتاريخية والبيئية والجغرافية، فكانت انتكاسة بناء المدن الصفائحية التي لا تخضع للمعايير التقنية الدولية بسبب الإسراع في خلق الحقائق الجديدة… المهم من هذه المعطيات أن نعلم أن وسطنا العربي لا يملك الحد الأدنى من الجاهزية لمواجهة مثل هذه الكوارث ولا يملك أدنى مقومات التعاطي القدري مع مثل هذه النازلة. فلا سلطاتنا المحلية ولا مؤسساتنا \”الوطنية\” تملك الرؤية للتعاطي مع مثل هذه النوازل…. إلى جانب ذلك ثمة ثلاث قضايا كبرى نطرقها في هذه الإضاءات من أجل التفكير والاعتبار، لأن الذكرى تنفع المؤمنين : الأولى تتعلق بانهيار الحضارات. فقد علمنا التاريخ أن حضارات كبرى أفلت بسبب العوامل الطبيعية كالهزات الأرضية والفيضانات وثوران الحمم البركانية أو التصحر أو الهجمات الجليدية… وهذه الحضارات كانت وفقا للقراءات السننية والعمرانية أكثر قوة وعدة ونفعا من دول احتلالية مصت خيرات الشعوب أو استوطنت أرضهم وهجّرتهم في أصقاع الأرض يعانون ألم النكبة والتهجير حال شعبنا الفلسطيني، وسنن التبدل قادمة لا محالة بعد أن استوطن الظلم الكثير من بقاع الأرض وعشش وفرخ، خاصة في منطقتنا.. منطقة الشام وبلاد الرافدين، وما عاد لأحد من الخلق الضعفاء القوة على إزالته… والثانية أننا نحن أبناء الداخل الفلسطيني لا نملك من الإمكانات دفع هذا البلاء بالقدْر المستطاع، ما يعني أننا أمام نكبة جديدة، ليس بسبب الحدث نفسه بقدر ما يعود السبب إلى نفوسنا وإراداتنا، ذلك أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، لأن الخسائر المادية الحاصلة من العوامل الجغرافية ستصيب الجميع، وإن كانت خسائرنا لا تقارن بخسائر غيرنا، وفي هذا ضرر كبير يلحق بحالنا وواقعنا وجوديا وإستراتيجيا، وهو ما يتطلب اهتمام من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن الداخل الفلسطيني لأخذ دورهم الأخلاقي والعملي… وأما الثالثة فتتعلق بدرجة الوعي المتعلقة بمثل هذا الحدث الجلل وتداعياته المستقبلية علينا في الداخل الفلسطيني. وعي في الحدث وتفاعلاته من جهة، وحجم آثاره ومخلفاتها المجتمعية والاجتماعية والسياسية والمستقبلية من جهة أخرى.. ثمة لحظات فارقة في التاريخ الإنساني يكون لتدخلات القدر فيها نصيب أساس لخلق حالة من التحولات. ومن قرأ تاريخ الأمم والممالك المندثرة سيجد الخبر اليقين.. وفي الذكر الحكيم: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *