العودة إلى زمن الغابة

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. رؤوفة حسن [/COLOR][/ALIGN]

كنت قبل يومين في \”ابوظبي\” مع مجموعة من الاعلاميين والقانونيين من بريطانيا وفلسطين وبعض دول الخليج والجزيرة. أخذ الحوار والنقاش بعدا يشبه التفكير بصوت عالٍ مشترك يسمح لكل مشارك ان يقول كل ما لديه وان يناقش تفاصيل افكاره مع الآخرين ثم يعيد صياغتها مع بروز وجهات نظر اخرى لزوايا لم تكن في باله.
كانت التجربة جميلة ومنعشة، فليست هناك توقعات ولا افتراضات مسبقة ملزمة. وحتى القضايا التي كان الفكر قد استقر عليها زمنا طويلا احتاجت الى إعادة زيارة. وصار الجانب اليومي للحياة الذي تراكمت تفاصيله يسقط كأوراق الخريف لتبدو الأفكار شتوية بجذورها وجذعها واعوادها الصامدة.
ساعد ذلك في ان نرى الحقائق كما هي غير مكسوة بغطاء الربيع ولا مخفية تحت اهاليل التغطيات الناعمة لحقائق الأشياء. فالقصة هي حيواتنا العملية، والمفاهيم التي ننطلق منها لنمارس العمل الاعلامي، والحمايات القانونية والقيمية التي نلجاء اليها كي نحمي انفسنا من عسف الكلمة التي أسيء فهمها، أو المعنى الذي حمل مدلاولات اكثر مما نرغب.
ولأن طبيعة الأشياء اذا تم النظر اليها بتجرد ان تقول الحقائق عن نفسها، فقد كان واضحا ان ممارسة العمل الاعلامي هي التزام بحرفة أو مهنة تصب في منظومة القيم الشخصية والاجتماعية وتخدم تثبيت الصالح منها.
كانت المواضيع عن الحرية في العمل الاعلامي، وعن المعايير الملزمة للقائمين بهذا العمل، وعن الالتزامات الواضحة الصريحة التي تقولها القوانيين والالتزامات غير المكتوبة التي تثبتها الاعراف والمتعارف عليه كأمر مقبول في المجتمع، وعن القضاء في البعد الآخر للعمل، وعن التوقعات من مقص الرقيب الرسمي والذاتي، ثم العلاقات التي تتطور مع المصادر وصناع الخبر والمستهلكين سواء كانوا قراء او مشاهدين اومستمعين أو متصفحين.
الغابة تفرض نفسها:
الغابة التي اتحدث عنها هنا هي هذا الفضاء المتنامي من المسافات غير المتناهية لعالم الانترنت. فالأمور تبدو خارج نطاق القانون والسيادة والسيطرة. وبينما وسائل الاعلام التي اعتدنا العمل بها والالتزام بثوابتها هي في الغالب وطنية أو اقليمية محكومة بالقوانين التي تحكم المنطقة من ناحية الجغرافيا والحدود المعترف بها، فإن الانترنت عولمي خارج النطاقات المعتادة كلها.
وفي هذا العالم تتم سرقات الحق الفكري، ويتم حتى تغيير المفهوم لمعاني السرقة عند انزال المقطوعات الموسيقية او الاغاني المعروضة للبيع. كما تمارس حرية للتعبير تفوق كل ما تسمح به قوانين المجتمع المعتادة، بحيث يصبح الخوض في مواقعها مغامرة غير محسوبة العوائق.
هنا يصبح الاعلاميون الذين يرغبون في نقل قيمهم ومعايير المصداقية والمحاسبية والمسؤولية تجاه مصادر اخبارهم، في مواجهة شرسة مع عالم غير مقنن او منظم يشبه عالم الغابة قبل أن يضع الانسان معاييره المنظمة للعلاقات البشرية. وهنا بدأت تظهر اجراءات جديدة تتبعها الشعوب والدول للخروج من عالم الغابة.

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *