العوامل السياسية تعود للتأثير على الأسواق المالية

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]صقر نسيبة[/COLOR][/ALIGN]

زاد تأثير المخاطر السياسية، التي تشمل تدخل السياسيين، والاضطرابات المدنية، والحروب، على الاستثمارات في أسواق الدول المتقدمة، ومن المحتمل كذلك أن تتزايد هذه المخاطر في السنوات العشر القادمة.
وعلى الرغم من أن المستثمرين قد استحدثوا من الناحية التاريخية عنصرا من عناصر تقييم المخاطر الجغرافية-السياسية في الأسواق الناشئة، فقد استغرق الأمر جيلا واحدا على الأقل أو ربما جيلين منذ أن قاموا آخر مرة. بالنظر بجدية إلى مسألة المخاطر السياسية في سياق الاقتصاديات المتقدمة.
وأزعم أنه في تاريخ الأسواق المتقدمة، كانت المخاطر السياسية يوما ما هي الأساس، ولكنها تلاشت الآن كأحد الاعتبارات للاستثمار في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد حدث هذا جزئيا لأن الحرب الباردة التي أتت بعد ذلك منحت الدول الغربية استقرارا من خلال وجود عدو واحد مشترك، وحدث ذلك أيضا بشكل جزئي لأننا مررنا بفترة طويلة من الازدهار الذي تحقق من خلال مزيج من التقدم التكنولوجي، والإصلاح، وزيادة الإنتاجية، والوفرة المالية.
السياسة الحمائية والغضب ويبدو الأمر لي أن الأزمة المالية ليست فقط مجرد تصحيح بسيط في هذا المسار، ولكنها بداية لتحول رئيسي في التوجه.
فالأضرار الاقتصادية التي أحدثها الازدهار المفرط في قطاع الائتمان في العقد السابق، والانهيارات الناتجة عن الأزمات المالية قد أغرقت الاقتصاديات المتقدمة في فترة من الضعف الاقتصادي الممتد، وذلك على الرغم من ضخ حزم من المحفزات غير المسبوقة.
وبمعنى آخر، بعد أن اعتاد العالم على \”كعكة\” اقتصادية كانت آخذة في التوسع، ينبغي علينا الآن أن نكافح في أحسن الأحوال، من أجل الحفاظ على اقتصاد ثابت وربما اقتصاد يعاني من الانكماش.
وفي مثل هذه الأوقات، على المرء أن يتوقع المزيد من الخلافات، حيث تتنافس الدول فيما بينها لتحقيق حصص أكبر.
وللمرء أيضا أن يتوقع المزيد من التنافس بين العمالة ورأس المال من أجل الحصول على حصة أكبر من هذه \”الكعكة\” داخل الدولة الواحدة.
وقد رأينا أمثلة للنموذج الأول متمثلة في النزاع بشأن عقلية السياسة الحمائية، والخلافات التجارية بين أمريكا والصين.
كما رأينا أمثلة للنموذج الثاني من خلال الغضب الشعبي ضد إجراءات التقشف في مدريد، ولشبونه، وأثينا، بالإضافة إلى زيادة مطالب الاتحادات العمالية، بشكل بطيء ولكنه مستمر، باتخاذ خطوات ملموسة داخل الولايات المتحدة وأوروبا.
ومن أمثلة الاتجاه الأول أيضا، وجود الأعباء المتزايدة للديون بشكل لم يسبق له مثيل على الحكومات المتقدمة، والتي تزداد سوءا بسبب الحاجة إلى إقتراض المزيد في مثل هذه المرحلة (والتي تبلغ في المتوسط أكثر من 80 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للعديد من الدول).
ولكن أعباء الديون تتضاءل أهميتها إذا أضفنا إليها الالتزامات الحكومية غير الظاهرة لتحقيق الرفاهية، وتوفير معاشات التقاعد.
وعند هذه النقطة يمكن للمرء أن يقول إنه في كثير من الحالات لا يمكن التخلي عن هذه الالتزامات.
ومن أمثلة النموذج الثاني أيضا تأتي الاتجاهات الديموغرافية المتعلقة بسكان أوروبا المسنين من غير القادرين على تجديد ذواتهم في المسارات التي يمرون بها حاليا، أو تلك المتعلقة بدعم هؤلاء السكان المسنين، بالإضافة إلى تلك الاتجاهات الديموغرافية المتعلقة بالنتائج السياسية المحتملة للتحول في التركيبة العرقية داخل الولايات المتحدة من كونها دولة ذات أغلبية أنغلو- ساكسونية إلى دولة يصبح فيها هؤلاء هم الأقلية في أقل من 30 عاما.
وعلى مر التاريخ، تمر كل امبراطورية بنقط تحول حينما تبدأ في الإنفاق على خدمة ديونها أكثر مما تنفق على قواتها المسلحة.
وفي الولايات المتحدة، من المحتمل أن يكون هذا هو الحال في غضون فترة تتراوح من 10 إلى 15 سنة فقط.
فماذا يحدث عندما تبدأ دولة عسكرية ضخمة في فقدان قوتها؟
إما أن تعزل نفسها، وباستطاعة الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، أو أن تقوم بتوسيع رقعة أراضيها.
وفي الوقت نفسه، تتفتت أوروبا التي تكافح في مواجهة عيوبها الهيكلية، وفي مواجهة المصالح القومية المتضاربة بين بلدانها.
حيث تتزايد حدة التوتر بين بلدانها على نحو يشبه كثيرا ما حدث في القرن التاسع عشر، وهذا ما يفسر السبب وراء إصابة النخب السياسية باليأس الشديد من أجل الحفاظ على بقاء حلم اليورو حيا مهما تكلف الأمر على ما يبدو.
وفي ذات الوقت، تشهد الدول الغربية بالفعل مشاعر في بدايتها تنتشر بين مواطنيها بأن الحكومات الديموقراطية تُحكم من قبل النخب السياسية والأثرياء، وهو ما يؤدي إلى حرمان الأغلبية من حقوقها.
ويأتي تصاعد حركة تي بارتي (أو حزب الشاي) في الولايات المتحدة الأمريكية، والظهور الحديث للأحزاب المتشددة في العديد من الدول الأوروبية للدلالة على أنه في أوقات الشدائد ينمو التطرف السياسي.
وقد يكون التغيير السياسي وازدياد النفوذ بطيئا، لكنه أصبح الآن محسوسا في كثير من الأسواق الغربية.
ويمكنك فقط إلقاء نظرة على التدخل الذي يحمل دوافع سياسية في مجالات الاستثمارات و لوائح عمل الشركات.
ويعني هذا من الناحية العملية أن الطريقة التي نتناول بها مجال الاستثمارات ينبغي أن تتغير أيضا.
فقد أصبحت المتغيرات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي وأسعار الفائدة مجرد معايير ضحلة جدا لتقدير حجم المخاطر بالنسبة للدولة.
وكذلك الحال فيما يتعلق ببعض المصطلحات المالية التي ظلت تفرض نفسها لفترة طويلة، مثل نظرية الأسواق الفعالة التي لم تعد بهذا القدر من الأهمية.
نحن الآن نقترب من عصر لا يستطيع فيه المرء أن يقوم بمشروعات استثمارية لا تأخذ في الاعتبار أعمال السياسيين بصفتها من الاعتبارات الأولية.
ويحتاج عالم الاستثمار أن يفيق إلى حقيقة أننا نعمل في بيئة اقتصاد سياسية، وليس نظام اقتصادي مغلق بإحكام. فعلى مديري الأصول أن يبدأوا في توظيف محللين سياسيين، وأن يصبحوا على دراية بالسياسة كما هم على دراية بالاقتصاد.
ولكي يتمكن المستثمرون من كسب المال في أوقات الصراع السياسي والسخط الشعبي، عليهم فقط أن يفهموا بشكل أفضل المخاطر التي قد يواجهونها. فهناك فرص يمكن بالفعل الوصول إليها، وبالطبع سيكون هناك رابحون وخاسرون في هذا العالم المتغير.
هناك فقط مجموعة جديدة من معايير التقييم التي سيتعين على مديري الأصول أخذها في الاعتبار.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *