العلمانيون وضلالاتهم

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد يوسف عدس[/COLOR][/ALIGN]

أذكر أنني زرت تونس في ثمانينات القرن الماضي بدعوة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لحضور مؤتمر انعقد في مقر الجامعة, وقد احتجت لشراء بعض أشياء فسألت أحد الزملاء التونسيين عن أقرب \”محلّ\” يمكن أن أذهب إليه فقال: نذهب إلى \”المغازي\”, ولم أفهم , فقال: أنتم تسمونها \”سوبر ماركت\” وهى كلمة أمريكية ونحن أخذناها من كلمة Magazine الفرنسية, قلت له مُمَازِحًا: يعنى كلانا مصاب بالغزو الثقافي, ولكني أعلم أن كلمة مجازان عربية في أصلها, ونطقها الصحيح هو \”مخازن\”, وقد أخذها الإنجليز في استخدام آخر فأطلقوها على المجلّة \”Magazine\” وقصدوا بها مخزن المعرفة و المعلومات , ولكننا نحن العرب تحت تأثير الانبهار بلغات الغرب ومنتجاته الفكرية نقلّدهم ولا نتوقف لفحص أصول هذه الأشياء فكثير منها لها أصل عربي إسلاميّ , ولو قُدِّمت إلينا بصيغتها الأصلية لاحتقرها البعض منا واعترض عليها واعتبرها رجعية و\”ماضويـّة\”, ولكنها تصبح جميلة وذات قيمة إذا نطقتْها (محرّفةً) ألسنةٌ أجنبية. هل أقول : إن هذا بالضبط هو موقف المثقفين العلمانيين من الشريعة الإسلامية, تعجّب كما شئت , ولكن تعالَ معي نفحص هذه الحقائق التي تكشّفت لي, وقبل كل شيء لا بد لي أن أعترف بأنه رغم ما قد يجمع بين الإسلاميين وفريق من العلمانيين المعتدلين في الشأن الوطني في أي بلد إلا أنني أرى أن الصدام حتمي بينهما, لا لشيء سوى الكبرياء والعجرفة العلمانية, ولرصيدها المتراكم من الجهل وسوء الظن بالفكر الإسلامي, الذي يجعلهم مستميتين في استبعاد الإسلام والنظام القانوني للشريعة الإسلامية بصفة خاصة من السياسة والحكم.
في هذا المقال أركّز على ضلالات الفكر العلماني: فلو سألت العلمانيين أي نظام قانوني تريدون لمصر الحديثة, لما وجدت عندهم سوى إجابة واحدة هي: \”لا, للشريعة الإسلامية\”, علما بأن القانون المصري في أصوله مشتق من القانون الفرنسي (قانون نابليون), وأن نابليون أقام قانونه على مبادئ من الفقه المالكي الذي تُرجم له أثناء الحملة الفرنسية على مصر, ولكنه حرّف فيه بما يتناسب مع العقلية الفرنسية, ونحن بدورنا سعدنا بالقانون المحرّف من شريعتنا, لأنه أصبح ماركة فرنسية, تماما مثل \”المغازي\” وإن شئت فهي \”المخازي\”. أقول: لقد ظهر في التاريخ العالمي أربعة نظم قانونية كبرى كان لها أكبر الأثر على قوانين العالم, وهى: القانون الروماني ، والقانون الإسلامي \”الشريعة\” والقانون الإنجليزي والقانون الفرنسي المعروف باسم قانون نابليون , ولكن يمكن الآن استبعاد القانون الروماني فلم يعد له إلا قيمة تاريخية, حيث استوعبته وخلفته منظومتا القانون الفرنسي و القانون الإنجليزي, ومعنى هذا أن العلمانيين ماداموا يرفضون العودة إلى الشريعة الإسلامية فليس أمامهم سوى القانون الفرنسي والقانون الإنجليزي.
وهذا الأخير معمول به في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، واستراليا ونيوزيلندة وباكستان والهند، وعدد آخر من المستعمرات البريطانية السابقة , أما القانون الفرنسي فهو مستخدم في فرنسا وفى عدد كبير من الدول التي كانت في السابق مستعمرات فرنسية,فإذا اكتشف العلمانيون بالصدفة \”مثلا\” أن المنظومتين القانونيتين الفرنسية والإنجليزية قد استندتا في أصولهما أو تأثرتا تأثّرًا عميقا لا يمكن إنكاره بمبادئ الشريعة الإسلامية، فأكبر ظني أنهم سيكونون بين أمرين: إما أن يكابروا كعادتهم, وإما أن يفضلوا العودة إلى قانون الدكتاتور مبارك , فقانون الهوى والمزاج الدكتاتوري هو أفضل لهم من الشريعة الإسلامية.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *