[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]احمد محمد باديب[/COLOR][/ALIGN]

العلاقات بين الدول لها أصول وفروع تختلف حسب ظروف البلدين وحساسية القائمين عليها وحساسية الظرف الذي تعيشه تلك الدول , فعلى سبيل المثال نحن اليوم نعيش في عالمنا العربي بزوغ أنجم ثلاث أو أربع دول عربية لم تعد ترزح تحت النظم العسكرية السابقة , وهي مصر التي تخلصت من عسكرية ثوار 1952م , الذين ترأسهم في البداية اللواء محمد نجيب ومن بعده عبدالناصر الذي همش كل رجال الثورة.
وبدأ عصر التجارب في الشعب المصري من نظام كان إسلامياً في بدايته إلى أن أصبح نظاماً ضد كل ما يتعلق بالإسلام إضافة إلى عدم التعاون مع الغرب حتى أصبح نظاماً اشتراكياً بحتاً أدى إلى فقدان الملكيات الفكرية والأخلاقيات وتفقير الشعب مادياً إلى أبعد حد , ثم جاء السادات والذي كان يدور في نفس المدار إلا أنه كانت له بصماته الخاصة وقد ظهر أيضاً للناس بالمظهر الإسلامي عندما أضفى على نفسه لقب الرئيس المؤمن في بداية عهده … الخ , حتى انتهى على يد الإسلاميين الذين جمع زعاماتهم وسجنهم في ليلة ظلما كانت سبباً في اغتياله , ثم كان نظام الرئيس حسني مبارك الذي كان ناصرياً أكثر من عبد الناصر وساداتياً في الخفاء أكثر من السادات .
ونستطيع النقول إن فترة مبارك اختلفت عن سابقيه وساعد في ذلك طول المدة التي هيمن فيها مبارك على سدة الرئاسة غير أن الكم أخذ يظهر بمظاهر ديمقراطية أعطت مجالاً للإسلاميين للعمل على الشرائح المختلفة في المجتمع المصري لتخلق تياراً إسلامياً قوياً والذي من سماته أنه دائماً مستعد للتضحية في سبيل إثبات صحة معتقده , لذا شاهدناه في بداية ثورة 1952م يرسخ من هذه التضحية بوقوفه إلى جانب الثورة والتي كانت تظهر بمظهر الإسلام.وشاهدناه في بداية حكم السادات كما كان يدعي من يدعيه من رجال نظام الرئيس مبارك الذي لم يكن يمثل التيار الغالب في مصر آنذاك , لأن أهلها أقرب عاطفة لدينهم, وفي النهاية غاب الرئيس المصري عن المسرح السياسي وتركها للعابثين وكذا كانت التجربة في تونس وليبيا وما جرى في اليمن و ما يجري اليوم في سوريا , وكان القصد في كل هذه الدول هو الخلاص من التجربة العسكرية التي أتت أكلها فقراً وفساداً وتخلفاً .
في كل هذه الثورات كشفت الطامعين الذين كانوا يخشون بالأمس إظهار رؤوسهم للنظام الباغي ليقطفوا الثورة, وعندما أمن الطامعون على أنفسهم (ممن كان بيده عصا البطش ) راحوا يعملون كل ما في جهدهم ضد الذين فازوا. والذي يفهم من هذه الخلطة الموجودة في الشارع هو ناتج جهدهم في تلبيس الأمر على الناس وإفهام الشعب بأن حكم تيار بعينه سيحرمهم من ممارسة حقوقهم وأنهم سيدخلونهم في ديكتاتورية جديدة لا تختلف عن الديكتاتورية التي سقطت بثورتهم , ومن متابعتي لما يحدث أرى المزايدات على الدستور وغيرها من المواضيع الطافية أرى أنها لا تعالج بمنطق العقل كما ينبغي ولكن تعالج بغوغائية الغرض منه اسقاط الحكم لصالح التجارب الأخرى التي تؤمن بها عقول هؤلاء.
ولفهم العلاقات بين الدول نقول نحن في المملكة العربية السعودية لا نستطيع ولا نعطي لأنفسنا الحق في التدخل في الشأن الداخلي لما يحدث على الساحة المصرية بين المصريين أنفسهم فهم أولى وأدرى بمعالجة اختلافاتهم بالطرق الديمقراطية ونحن نشجب أي تدخل في هذا الأمر فذلك يحمي بلادنا وشعبنا بالمقابل من أي تدخل في شؤوننا الداخلية , إننا نساعد الشعب المصري بمد يد العون لميزانيته ومشاريعه لتبقى مصر كريمة وعزيزة بلداً وشعباً , ولنتجنب أن تكون فريسة سهلة لأي بلد آخر لا يضمر لهذا البلد وهذا الشعب إلا السوء .
في هذا الوقت من تاريخ مصر والذي هو وقت جاء فيه مولود مصر بنظام كامل لمصلحة مصر ليحقق الحرية وليعطي كل ذي حق حقه من خلال الدستور والقوانين التي أقرها المصريون بالأغلبية , نظاماً كاملاً ينفع البلد وأهله , نقول لأولئك الإخوة الذين يتحركون على الساحة المصرية: أنتم تعطون الفرصة لمن في الخارج.
إن هؤلاء ما هم إلا طلاب صيت وذكر وطلاب مكانة وظهور في أعين الآخرين تنجلي من خلال التظاهرة الاحتفالية بالأستاذ حمدين صباحي , وليذكرونا بالناصرية, وكأن هذه التجربة العسكرية والتي تهالكت بعد أن جلبت لهذه الأمة الهزائم المتكررة هي المثلى ولكن لننظر إلى مصر اليوم لنرى كيف خرجت من هذه التجربة وبين مصر يوم خرج منها الملك فاروق , إن الحكم الملكي في هذه المقارنة سيثبت أنه كان الأفضل بالرغم من عوراته التي لا تذكر بجانب مساوئ الحكم العسكري .
إن جميع الأدباء والفنانيين والأفاضل من الفلاسفة والمؤلفين والمغنين وكاتبي السيناريو إلى آخره من هؤلاء الذين جاؤوا من نتاج الحكم الملكي لمصر .. فأين الذين جاؤوا من تجربة الناصرية والساداتية , أين عقاد الناصرية وأين طه حسين الساداتية ..أين.. وأين؟؟ أليس لنا عقول تميز وأبصار ترى الحقيقة !!!
نعتقد أنه لا توجد دولة دينية لأن هذه الدولة انتهت بانقطاع الوحي , إننا يجب أن نقيم دول مدنية تتبنى دساتير حسب متطلبات ومعتقدات أغلبية شعبها ويجب أن تراعى في تلك الدول ضمن هذه الدساتير حقوق الأقليات . لكن حق الأغلبية أن تكون الدولة إسلامية فالإسلام يشغل على الأقل 86% من هذه الدولة.
إن من غير الحكمة والحصافة اليوم أن نتدخل في الشأن المصري ونحرج حكومتنا أو نتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة تعيش مخاضاً خاصاً سينتج المولود الذي سينعكس على مستقبلها وشعبها.
إن من الأمور المهمة في سياسة العلاقات مع الدول هو وجود صداقات لرجال أعمال أو غيرهم مع الجهات المختلفة في الدول التي يهمنا أمرها ويجب أن نقف مع ذلك بشرط ألا يكون ذلك بتوجيه فئوي كما شاهدنا في مصر . بل يجب أن تكون العلاقة لها الطابع الأخلاقي الذي يزيد في لحمة الشعبين دون تدخل في شؤونه الداخلية مما يؤدي إلى توهين تلك اللحمة من جراء وقوفنا مع هؤلاء ضد هؤلاء .
ما أحوجنا اليوم في ظل هذه الغوغائية التي تحكم تحركات البعض إلى وقفة صمت نعمل فيها بعقولنا لنعرف كيف يجب أن نتحرك ؟ ومتى يجب أن نتحرك ؟ وإلى أين يجب ان نتحرك ؟ وقفة نقرأ فيها التاريخ بنزاهة وإخلاص لا نراقب إلا الله في مصلحة هذه الأمة .إننا إن فعلنا ذلك فزنا بأنفسنا وبوطننا وخرجنا إلى القمة .أتمنى على السعوديين كل السعوديين أن يلتزموا حدود وأصول العلاقات وفروعها مع الدول الأخرى حفاظاً على بلادنا وماء وجهنا وصدق سياستنا التي حرصنا عليها طوال ثمانين عاماً , سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة كانت .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *