العقوق الظاهر.. ..والعقوق الخفيّ
مما نلاحظه في مجتمعنا ظهور ظاهرة أسرية تكاد تكون عامة وغالبة على معظم الأسر . وكلنا نعرف معنى العقوق فهو التصرفات غير اللائقة بالوالدين ومنها رفع الصوت أمامهما وعدم سماع توجيهاتهما بل يصل إلى الأمر بالعقوق إلى أبعاد خطيرة …ولاحظت أنّ هناك عقوقاً آخر يكاد يكون مخفياً ولكنه لايقل خطورة عن عقوق الظاهر الذي نعرفه.
ونلاحظ مثلاً أب في الستين أو تجاوزها بقليل يحمل في جسده شتى أنواع الآلام من مفاصل وضغط وسكر نجده يخدم ابنه الذي لم يتجاوز الثلاثين الذي لاتنتهي طلباته وكأنه يعاقب والده لأنه جاء به إلى الحياة فعليه أن يتحمل وزر ذلك فتراه لايفتأ يطلب بل ويرفع صوته بأن هذا من حقه بأن يؤمن له أبوه جميع مستلزمات الرفاهية أسوة بزملائه وأقرانه ضارباً بظروف أبيه عرض الحائط وإذا قام الأب بتكليفه بشراء حاجيات البيت تراه يتلون ويتحجج بحجج واهية وبأن أصحابه بانتظاره هروباً من المسؤولية .
ونلاحظ أيضاً أماً تجاوزت الستين أو بلغتها وهي تقوم بخدمة ابنتها ذات الخامسة والعشرين والتي تتمتع بصحة وحيوية تفتقر إليها الأم وتراها تطلب من أمها أشياء عجيبة كأن ترعى صغارها أو تقوم عنها بخدمات أخرى …لاضير في مساعدة الأم ابنتها في رعاية أطفالها ولكن بحدود يجب أن يكون التوجيه والتعليم هو الدور الرئيس للأم ولابأس بإعطاء دروس تطبيقية لمرة واحدة حتى تتعلم الأم الفتية الصغيرة وتتحمل مسؤولياتها .
هذه الحالات هي مؤلمة والله …ولكن على من نضع اللوم ؟ ..على الوالدين أم على الأبناء؟
والجواب هو أنهم مشتركون في هذا العقوق الخفي فتساهل الآباء جزء من المسؤولية وتطنيش الأبناء واستغلال حب والديهم لهم مسؤولية أخرى يتحملها الأبناء.
أنا لا أريد أن أرجع للماضي السحيق لأن زمنهم يختلف عن زمننا ولكن لابد من الرجوع والنظر فمتى يجب على الآباء والأمهات تعليم أبنائهم وبناتهم الاعتماد على أنفسهم وتحمل مسؤولياتهم ؟ أقصد بأي سن من أعمارهم لابد للآباء من وضع جدول زمني لأولادهم وإلا اختّل ميزان الأسرة ودخلنا في طور خطير من العقوق لا نراه ماثلاً أمامنا بل خفي بين طيات التصرف الذي يراه الكثير هو تصرف طبيعي.
لقد كان أجدادنا يفرحون حين بلوغ أحد أبنائهم (سن البلوغ ) ويقولون : (صار رجال ) وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره …واليوم ابن الثلاثين يقولون عنه : مسكين غلبان فاقد الحيلة لسه صغير ….طاقة عظيمة من السلبية توجه نحوه لتزيد من اعتماده على والديه بجميع شأنه.
إن الكبار بالسن يكدر خاطرهم كل ماهو مزعج يحدث لأبنائهم فيجب على الأبناء ابعاد كل الهموم والمشاكل التي يستطيعون حلها بعيدا عن تكدير خاطر والديهم لأن الوالدين أشد شيء يؤلمهما هو رؤية أحد أبنائهما في مشكلة.
إن تعليم الأبناء النضج وتحمل المسؤولية هو أفضل حل يقدمه الآباء لأبنائهم لتفادي هذا النوع من العقوق .
وهمسة أخيرة في أذن البنات والشباب أبناء هذا الجيل :
إن والديكم إذا تعدوا الستين فاعلموا أنه قد وجبت خدمتكم لهم كما خدموكم وأنتم صغار لاحول لكم ولاقوة .
ألم تسمعوا قول اللّه تعالى :(إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً).
عند بلوغ الكبر هم بحاجة للرعاية وقد أدوا واجبهم اتجاهك فلا تكن أنانياً وتطالهم بالمزيد هم الآن في مرحلة الضعف وبحاجة إلى الرعاية النفسية والجسدية .
التصنيف: