شهوان بن عبد الرحمن الزهراني

العضل معناه أن يمتنع ولي أمر المرأة عن زواجها، وله آثار سلبية واجتماعية خطيرة. فهذا الفعل جاهلي النشأة والممارسة، وقد جاء الإسلام فمنع ذلك، لأنه يحمل في طياته من الإجحاف والظلم على المرأة الشيء الكثير ونتائجه وخيمة وصعبة على جميع أفراد الأسرة، فهل هناك أبشع من ظلم ولي المرأة لموليته ومنعها من حقَّها في إعفاف نفسها، ومن يمنع المرأة من حقها فلا ينتظر منها الرحمة وهو يمارس ظلمه عليها فقد تدعو البنت على أبيها، فالعضل ليس بالأمر الهين فبسبب القسوة والظلم من وليها تحمل في قلبها البغضاء والكراهية له بدلا من الحب والاحترام والرحمة.
والعضل لا ينهض إلا حين يمتنع ولي أمر المرأة من زواجها بدون أسباب شرعية سائغة. أما إذا كان هناك من الأسباب الشرعية ما يمكن الاستناد إليه في المنع فإن ذلك لا يكون عضلاً. فولي الأمر ليس كما يتصور البعض أنه يمكن أن تغل يده على كل حال. فللولي أن يتدخل في اختيار الزوج بحكم مسؤوليته وقوامته ولكن هذا التدخل يكون بما يعود لمصلحة المرأة نفسها وليس لمصلحته شخصياً أو مصلحة أحد من الأسرة غيرها. لقد قال الله تعالى:[ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ] وقال رسول الله r:[ أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل.]
هذه النصوص تعطي لولي الأمر الحق في البحث واختيار الزوج الكفء والرجل الصالح الذي يحفظ للمرأة كرامتها ويحقق لها إنسانيتها ويوفر لها الحياة الكريمة والعفاف المطلوب. فولي الأمر أقدر في التوصل لمعرفة كفاءة الزوج وسمعته وأخلاقه بحكم مخالطته للرجال وخبرته في معرفتهم وقدرته على البحث والسؤال عن ذلك الخاطب.
ومع كل هذه الأهمية في ضرورة تدخل ولي الأمر في اختيار الزوج والموافقة على النكاح. إلا أن ذلك لا يعني أن حقه مطلق وأنه يتصرف في الفتاة دون قيد أو شرط. فمتى تقدم الرجل الكفء الذي يكون ممن يُرتضى دينه وخلقه فليس لولي الأمر التعنت والامتناع عن التزويج، وعليه قبل كل ذلك أن أراد الامتناع وعدم الموافقة لسبب وجيه أن تكون موليته على علم بالمبررات التي يستند عليها في الرفض حتى يتوفر للمرأة القناعة بتلك المبررات. تطيباً لخاطرها وبياناً للحال التي استدعت الرفض وللمحافظة على العلاقة الأسرية.
إن العضل الذي لا يستند على سبب شرعي هو عمل في حقيقته هو عمل غير أخلاقي وبخاصة إذا كان لمطامع مالية كراتب الفتاة فهو لا يدل على حسن التصرف وليس من مكارم الأخلاق الإسلامية ولا يمت للمروءة والشهامة عند الرجال الكرام بصلة، فالمرأة تجد من المشقة والظلم ما لا يعلم به إلا الله ، فإن سكتت وصبرت على ذلك فهو على حساب حقوقها الشرعية وشعورها وأحاسيسها وحياتها كلها، فيحدث الغبن الفاحش والظلم الحارق، وإن أرادت أن تصل إلى حقوقها المشروعة فترفع صوتها للقضاء وتتزوج رغم أنف وليها فإنه يحدث من القطيعة والكراهية بينها وبين أهلها أمر تقشعر منه الأبدان، والأمران كلاهما مر علقم. فلماذا أولياء الأمور يخلقون هذه المشاكل وما هي النتيجة المبتغاة.
إن الإسلام يحفز على وجوب الرعاية بالنساء والقيام بشؤونهن على أفضل حال وقد حفزّ النبي صلى الله عليه وسلم ولي الفتاة على حسن التربية والأدب بجائزة كبيرة يسعى الناس كلهم إلى الحصول عليها وهذه الجائزة هي الجنة فقد أخرج أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ، فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ] وهذه البشارة العظيمة تحفز على تربية المرأة تربية صالحة وطيبة فهي مهمة عظيمة في نظر الإسلام. وهنا نجد أن من يعضل المرأة قد يحرم نفسه من هذه الجائزة العظيمة الكبرى. ساءني جداً حالة عرضها عليّ أحد الأصدقاء بأن بنت أخته بلغت من العمر أكثر من ثلاثين ولازال أبوها يرفض كل من يتقدم لخطبتها دون أي سبب، فقلت له حاولوا معه عن طريق العقلاء من أقاربه الذين لهم تأثير عليه للوساطة والإقناع فإن استمر في رفضه فيمكن رفع الأمر للقضاء إن رغبت الفتاة ذلك.!
لقد تصورت حال الفتاة وهي تزف لزوج في ظل غياب والدها الحي بين الناس والميت الضمير في الإنسانية والأخلاق كيف يكون شعورها وهل تتم فرحتها وهي تحس في نفسها بالأسى والحزن على حالها حينما تخلى عنها والدها. تصورت كيف يكون التعامل فيما بعد بين الأسرة وهذه البنت وزجها، وكيف تكون حياتها مع زوجها؟! أم تكون مثل بعض الفتيات التي زوجهن القاضي رغم أنف آبائهن العاضلين ؟ فقد سمعت كغيري من القصص ما يندى له الجبين ويدمي العيون من الأمور التي تنتهك فيها حقوق المرأة وعدم احترامها أثناء الحياة الزوجية فالزوج الذي يتزوج عن طريق القضاء يعيب عليها أنه كان له الفضل عليها وإلا كانت باقية عند ولي أمرها العاضل، ومما سمعنا إن إحداهن بعد أن أراد أن يتخلى عنها قالت: لقد بعت أهلي من أجلك، فرد عليها بكل وقاحة وجلافة: ليس في هذا كرامة لي ولا لك، من باعت أهلها من أجل رجل غريب فلا غرابة أن تبيع زوجها من أجل نفسها، قال ذلك ومضى ولم يلتفت للظروف التي أحاطت بهذه المسكينة وجعلتها تعيش الذل والمهانة والسبب قسوة ذلك الأب الذي لم يدرك مسؤوليته تجاه بناته وأسرته.
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
ص.ب 14873 جدة 21434
فاكس : 6534238
بريد إلكتروني [email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *