[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

هكذا الدنيا، استقبال وتوديع، سنة الله في خلقه، و لا راد لقضائه، نفرح بالمولود وندعو له بطول العمر مع الصحة والسعادة والتوفيق، ونحزن لفراق حبيب، ونكاد لا نصدق الناعي وهو يخبرنا برحيل من نحب إلى دار البقاء، مع أن الموت حق، وأنه لا أعتراض على قضاء الله وقدره. تحدثت مع العديد من زملاء الفقيد وأصدقائه لأشاطرهم العزاء، فوجدت غالبيتهم كحالي في شكك مما سمعوه، وبين التصديق وعدم التصديق، ويؤكد لي صديق أنه فعلاً رحل عن دنيانا، غير أنه لم يرحل لما ترك خلفه من مناقب وسيرة حسنة، رحل وقد كنا على موعد معه في ماربيا الشهر القادم حيث تعود على الأستجمام في دارته المطلة على البحر، ويزيد آخر في القول بأن الوجيه لا يطيق الحواجز والحدود لذا يفضل شرفة مطلة على البحر عن قصر منيف وسط البلد، وأنه عاشق للهدوء، والعمل بهدوء، والتحدث مع الآخرين بهدوء، وسماع ما لديهم بهدوء. لم يعرف أحد منا أنه أنفعل في حديث أو قلل من قدر شخص، بل على العكس كان يرفع من المعنويات من باب تفاءلوا بالخير تجدوه.
وكان مؤمنا بأنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، فبادر ومنذ أوائل ثمانيات القرن الماضي إلى اختيار شباب لا زالوا في منتصف السلم الوظيفي فدفعهم إلى مسمى قمة الكادر لما يتوسم فيهم من كفاءة ومقدرة في إدارة بعثات دبلوماسية لدى بلدان مميزة فكانت تجربة ناجحة ومثمرة ومحفزة للعديد من شباب السلك الدبلوماسي لتنمية قدراتهم ولأدائهم المهام الموكولة إليهم بكل الجدية كي يتأهلوا لتسلم المراكز القيادية. وبالرغم من المناصب العليا التي تقلدها، والثقة السامية التي أولاه إياها المغفور لهم بإذن الله الملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد – يرحمهم الله – وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أطال الله في عمره ، فقد كان قمة في التواضع وفي التبسط بالحديث لدرجة أننا ونحن من العاملين تحت إشرافه لم نتعود على مخاطبته إلا بالوجيه دون ذكر اسمه وما يتقدم الاسم من ألقاب التفخيم، وكان كذلك يخاطبنا بأسمائنا كما يخاطب أقرب الناس إليه من أفراد أسرته.
إضافة إلى كل ما تقدم كان قارئاً جيداً ومطلعا على مجريات الأمور ومحللا للأحداث، وكثيرا ما رافقت الفقيدين الغاليين معالي الشيخ ناصر المنقور ومعالي الشيخ إبراهيم العنقري إلى دارته في ماربيا لأتمتع بحديثه الشيق وسرده لما يجري حولنا من أحداث وما يتوقعه من ردود فعل، إضافة إلى تلخيصه المختصر المفيد لما قرأه من أمهات الكتب في عالم السياسة والعلاقات الدولية. ولن أتحدث عن الرعاية المميزة التي كان يشملني بها ولا عن صلة القربى التي تجمعنا، فيكفي ما أبقاه عندنا من حب وإخلاص للدين والوطن والمليك، و ما عودنا عليه من إتقان العمل وتحري الدقة والأمانة، فالله يحب إذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه.
أدعو الله للفقيد الغالي معالي الشيخ عبد الرحمن منصوري – وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية – بالرحمة والغفران، وأن يسكنه فسيح جنانه، وأقدم العزاء لأسرته الكبيرة التي أعطاها الحب وهم منسوبي وزارة الخارجية ، ولكل من عرفه أو سمع عنه و عن مناقبه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *