العرب وصناعة الانطباع العالمي
كثيرون من شدة تعلقهم بالسيارات الألمانية أصبحوا عشاقا لكل ما هو ألماني من تاريخ وفنون وجغرافيا ونحوه .. تماماً كعشاق تقنية الروبوتات الذين يصنفون أنفسهم أصدقاء للمجتمع الياباني ، الأمر ذاته ينطبق على عشاق الأفلام الأمريكية ، والعطور الفرنسية ، والساعات السويسرية ، وغيرها . فالشعوب هم في نهاية المطاف بشر تدغدغ أهواءهم الأشياء المبهرة ، وتتشكل انطباعاتهم وفق ما يتأثرون به ، فيميلون لمن يرون أنه مصدر سعادتهم أو تسليتهم أو ثرائهم أو حتى تميزهم بغض النظر عن جنسه ولونه وموقعه ، لذلك الدول العظمى والذكية تدرك ذلك جيداً ، وتسعى بكل إمكاناتها أن تسوق لسياساتها ومبادئها عبر ما تتمتع به من مزايا تقنية أو ثقافية أو اجتماعية ، أو كل ما يمكن وصفه بـ ” القوة الناعمة ” على حد تعبير الكاتب الأمريكي ” جوزيف ناي ” ، أي تلك القوة المضادة لمفهوم ” القوة الحديدية ” أو العسكرية التي تحاول الهيمنة على الشعوب من خلال ما تحمله في طياتها من تهديد وقتل ودمار ، بينما القوة الناعمة لا تهدد ولا تتوعد ولا تؤذي ، فقط تجذب وتحتضن وتبهر من دون إكراه ، فمن يملكها كأنما امتلك أيقونة سحرية للتأثير في ثقافات الشعوب بما يخدم ثقافته وسياسته ومصالحه ، والمتأمل سيدرك أن دولاً كبرى اليوم باتت تتنافس فيما بينها للظفر بأكبر قدر من الاحترام والتقدير العالمي ، إما عن طريق الإعلام أو من خلال انطباعات الزوار الذين يفدون إليها من أجل الدراسة أو العلاج أو السياحة ، أو من خلال حرصها على رضا المستفيدين من خلال صناعاتها ومنتجاتها المختلفة ، الأمر الذي انعكس على بقية الدول ، بمعنى أن الدولة صاحبة القدر الكافي من القوة الناعمة هي من تحتل بقعة الضوء ، بينما المناطق المظلمة ستبقى مصير البقية ، ولا أدل على ذلك من أن تجد من لا يكترث أصلاً لدوري كرة القدم داخل بلده لكنه في نفس الوقت يضع صورة ذلك النجم اللامع في الدوري الأسباني مثلاً رمزاً له في مواقع التواصل الاجتماعي ، أو قد تجد زميلك في العمل شديد الغضب كلما ذكرت أمامه عيباً في المجتمع البريطاني ، مع في نفس الوقت لم يكن ليأبه إن كان ذات العيب موجود أو غير موجود في بلده ، لا لسبب إلا لأن رحلته السياحية القصيرة على نهر التايمز قد تركت في نفسه أثراً إيجابياً عن بريطانيا .
هذا هو جوهر ما تسعى إليه القوة الناعمة ، وهو أن تجعل من المتأثرين بها منابراً تعبر عن أصحابها ، وحشوداً تدافع عن مواقفهم ، لا مجرد مستهلكين فقط ، وهو حق مشروع للجميع ، فمن حقي أن أسعى لتحسين صورتي وثقافتي لدى غيري ، ومن حق غيري أن يستثمر الانطباع الجيد الذي تولد في ذهني عنه ، لكن ما ليس بحق وعدل وإنصاف أن يستمر الآخرون في تصدير ما لديهم من ثقافات وقيم بينما نحن نكتفي بالتلقي فقط ، ألم يئن الأوان لنكون محط إعجاب العالم أيضاً ؟ ألم يئن الأوان لنتساءل عن ماهية الصورة النمطية التي ما زلنا نكرسها عن أنفسنا وثقافتنا وقيمنا في الوعي العالمي ؟ ماذا يدور في خلد الأوروبي أو الآسيوي أو الأمريكي كلما أتى الحديث عنا وعن ثقافتنا وأساليب حياتنا ؟ هل نحن مطمئنون لانطباعات شعوب الأرض عنا أم أن ذلك مما يشعرنا دائماً بالقلق والحرج ؟ أعتقد أن هذه الأسئلة لا تحتاج لإجابات بقدر ما تحتاج لمن يتأملها بصدق وجرأة .
@ad_alshihri
[email protected]
التصنيف: