ذات مرة وأنا طفل صغير ذهبنا لزيارة جدي لأمي يرحمه الله تعالى في قرية تسمى ( الأربوعة ) ، وكنت حينها للتو تعلمت طريقة التصفير باليدين ، أثني لساني لأعلى باصبعين من كل يد ، ثم انفخ فيصدر الصفير ، ولفرط متعتي بهذا الانجاز صرت أمارس التصفير حتى لساعات متأخرة من الليل ، الأمر الذي تسبب في إزعاج الجميع ، فأقبلت جدتي يرحمها الله بهدوء وروية ودنت مني ثم همست في إذني :

التصفير في الليل يا ولدي يأتي بالحيات والثعابين للبيت.. فإما أن تتوقف ولا دخلت علينا من تحت ذلك الباب .

وما أن سمعت بكلمة الحيات المهموسة تتسلل إلي أذني حتى شعرت بكماشة من الأشواك تعتصر صدري من فرط الهلع فتوقفت مباشرة ، وبدأتُ أتخايل تلك المخلوقات وقد تناهى إليها صوت صفيري ثم راحت تنساب بخفة من جحورها وشقوقها ومن بين الحشائش ناحية هذه العتبة التي استرعت انتباهي بشدة طيلة تلك الليلة ،

والنتيجة كما ترون .. سكتُ عن التصفير ..وإلي اليوم أبشركم ، المهم أنني كررت هذه الحيلة مع ابنتي قبل شهور ، بعد أن أرهقت مسامعنا في البيت بصفارة لا أدري كيف حصلت عليها ، فهمست لها بذات الجملة التي أرعبتني بها جدتي قبل ثلاثين عاماً وبذات الطريقة ، ثم هممت بتركها وأنا متيقن أن الخوف سيكمل باقي المهمة ويجبرها على التوقف كما حدث معي ؛ فتفاجأت بها وهي تضحك .. وحينما سألتها عن سبب ضحكها .. قالت : يا بابا العب غيرها !! الثعابين والحيات أصلاً ليس لديها حاسة السمع !!

لكل من يخاطب جيل اليوم أقول ..زمن البراءة القديم ولى .. وزمن التلقي الصامت انتهى .. جيل اليوم لم يعد مجرد أوعية فارغة على استعداد دائم لسماع أي شيء ، أو الإنصات لأي شيء ، إنه زمن السقف العالي للإقناع ، زمن التماهي مع معطيات العصر والتربص الدائم لكل جديد يطرأ في شتى الفنون والتخصصات ، وبالطبع كل ذلك وفق قاعدة الحقائق فقط .. ولا شيء غير الحقائق.

[email protected]
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *