الطموحات أكبر من الطاقات

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الكريم بكار[/COLOR][/ALIGN]

أكثر اﻟﻤﺨترعات أعطت جوارح الإنسان نوعا من الامتداد في سلطانها وقدراتها؛ فالآلة مدت في سلطان اليد والطائرة في سلطان الرجل والهاتف في سلطان السمع و\”الرائي\” في سلطان العين وهكذا.. ويترتب على اتساع دوائر الاستطاعة تعاظم المسئولية ووجود إمكانات جديدة للمزيد من التقوى وبهذا الاعتبار فإن العمل لتحسين المناخ العام الذي يعيش فيه المسلم عبادة لله تعالى تهيئ الناس لمزيد من الطاعات والعبادات، وإذا ما حدث خلل في الارتباط بين الاستطاعة والتقوى فإن ذلك يعني نوعا من البغي الممقوت الذي يخل بالتوازنات العميقة بالفرد كما يستنزل المحن والعقوبات له.
ان لكل منا طاقات محدودة، ولكل منا طموحاته وأهدافه التي يرمي إلى تحقيقها في هذه الحياة قبل أن يرحل وتنتهي الإمكانات والطموحات؛ ومهما كانت قدرات الإنسان كبيرة فهي محدودة، ونشاهد في كثير من الأحيان أن طموحاتنا أكبر من طاقاتنا، وكثير منا يصاب حينذاك بالعجز والإحباط ويؤدي بنا هذا إلى البقاء في إجازة مفتوحة!! وهذا مع علمنا أن التكليف على قدر الوسع، ولو أننا باشرنا ما هو ممكن اليوم لصار ما هو مستحيل اليوم ممكنا غدا، ولنوضح هذا بمثال صغير، فلو أننا عمدنا إلى طفل في الخامسة من عمره لم يدخل المدرسة، وطلبنا منه كتابة اسمه لوجد أن ذلك بالنسبة له مستحيل، فإذا علمناه كتابة حروف اسمه حرفا حرفا، ثم علمناه الوصل بينهما لوجد أن ما كان مستحيلا قبل ساعة صار الآن ممكنا وهكذا.
ونحن في كثير من الأحيان نطوف في اﻟﻤﺠلس الواحد أنحاء العالم الإسلامي متألمين لما يحدث للمسلمين، وشاكين من التآمر عليه، ثم ينفض اﻟﻤﺠلس على نحو ما انعقد عليه دون أن يستفيد مسلم شيئا مما قلناه؛ وذلك لأننا لم نباشر الممكن، وإنما أذهبنا أوقاتنا في الحديث عن أمور لا حول لنا ولا طول في التأثير فيها!! ولو أننا تحدثنا بما يصلح أمرا من أمور الحي أو في كيفية جعل فلان من الناس يرتاد المسجد لكان ذلك أنفع للمسلمين، وأبرأ للذمة من شيء مشغولة به.
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- تركنا على المحجة البيضاء، ووقع التكليف من الله تعالى باتباع ذلك المنهج والتزامه على قدر الوسع والطاقة، وهذا التكليف سنة الله تعالى في الأنبياء -عليهم السلام- وسنة أممهم؛ فقد مكث نوح -عليه السلام-
يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، وكانت حصيلته في ذلك وصف الله تعالى: \”وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ\” \”هود: ٤٠ \” نعم إنهم قليل حملتهم سفينة واحدة ومع ذلك فإن نوحا ظل رسولا من أولي العزم الأبرار؛ ذلك لأن المنزلة على مقدار الجهد الموافق للمنهج المنزل، وليس على مقدار ما يحقق من نجاح وفلاح.
ولكن الذي يحدث في بعض الأحيان أننا نضع أهدافا معينة نريد الوصول إليها عاجلا، ولو كانت هذه الأهداف تستدعي الضغط على المنهج أو القفز عليه أو الانحراف عنه، وحين يحدث ذلك تفقد الدعوة انسجامها الذاتي، كما تهتز الفلسفة النظرية التي تستند إليها؛ وربما أدى ذلك إلى استعمال وسائل غير مشروعة. ولا يعني هذا أن نعفي أنفسنا من عمليات المراجعة، بل يعني أن المراجعة المطلوبة هي التأكد من موافقة أساليبنا ووسائلنا المنهج الرباني الذي تعبدنا الله تعالى باتباعه والحركة على هديه.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *