إن شجرة الصداقة الصينية – الإفريقية التى غرسها الأجداد, تحتاج رعاية مستمرة من الأحفاد جيلا بعد جيل “هيو جنتاو” الرئيس الصينى فى كلمته الافتتاحية للمنتدى الافتصادي الصينى – الإفريقى ببكين 2012م …. ودعونا ندقق معا قرائى الكرام فيما تريد الصين ترسيخه فى أذهان الأفارقة. وكنا قد تحدثنا فى مقالنا السابق عن التواجد الصينى فى القارة السمراء, وعرضنا سريعا لوجهات نظر ثلاث بخصوص هذا التواجد , وختمنا بأننا سوف نتعرض فى تلك المرة لإستراتيجية عمل الصين فى إفريقيا.
وتعالوا بنا نستعين بلغة الأرقام فى الأسطر القادمة: ففى عام 1978م لم تكن تتعدى قيمة المبادلات التجارية بين الصين وإفريقيا مبلغ ال700 مليون دولار, تتضاعف هذا الرقم فى التسعينات ليصل الى 700% , وفى 2004م كان قد بلغ 20 مليار دولار, ووصل اإلى 100 مليار دولار بنهاية 2008 م وهو ما كانت قد خططت الصين للوصول إليه فى 2010م.
فماذا فعلت الصين للوصول إلى هذه الارقام؟؟؟ وتحقيق تلك المعدلات المرتفعة !!!!!.
المتتبع منا لتطور العلاقات الصينية – الإفريقية يلاحظ الآتى : أن الصين قد ركزت على الحضور المادى والمتمثل فى تكثيف زيارتها للقارة السمراء سواء كان ذلك بشكل رسمى رفيع المستوى أو بشكل غير رسمى , فلا ننسى مثلا الزيارة التاريخية ل” شوان لاى” فى الستينات، و كذلك زيارة أسطول القوات البحرية الصينية لدولة “تنزانيا” فى عام 2000 م فى سابقة هى الأولى من نوعها. أما بالنسبة للحضور غير الرسمى فيتمثل فى مشاركة الجنود الصينيين للجهود الأمنية لقوات حفظ السلام فى عدد من دول القارة مثل (الكونغو, ليبيريا, السودان….. ) ، هذا بالاضافة لإرسالها للمراقبين العسكريين أيضا. ونستطيع القول بأنه منذ منتصف التسعينات تحديدا كانت قد تزايدات وتيرة تلك الزيارات بشكل كبير لدرجة أصبحت فيها زيارة وزير الخارجية الصيني لإفريقيا تقليدا دبلوماسيا سنويا. ونلاحظ أيضا أن الصين فى كل تلك الزيارات كانت ولاتزال تحرص على ترديد العبارات التى تؤكد مدى اهتمامها الكبير بإفريقيا وتعزيز التضامن والتعاون معها ، وأن أفريقيا مكون أساسى فى السياسة الخارجية الصينية، وجدير بالذكر أيضا أن زيارات الصين لإفريقيا تركز على استكشاف النفط والمعادن بالأساس.
هذا من جانب ومن جانب آخر نجد أن الصين أيضا تبنت “خطاب ذكى” حرصت من خلاله على تأكيد دورها الريادى بالنسبة العالم النامى ودول العالم الثالث وذلك فى إطار التقاء مصالحها كأكبر دولة نامية بمصالح الدول الإفريقية, ويجب أن نشير هنا إلى ما تمتلكه الصين من ميزة هامة تنافس بها التواجد الأوروبى حيث أنها لا تملك ماضيا استعماريا فى القارة ، ومن هنا سهل عليها ترويج صورة “الدولة الصديقة” التى تدافع عن مصالح الأفارقة فى إطار مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية، وقد تم تأكيد ذلك من خلال إعلان بكين عام 2000 م.
وأخيرا نجد أن الصين تعمل على وضع أسس سياسية أو بعبارة أخرى بنيات سياسية لترسيخ و تقوية العلاقات التى تقوم ببنائها مع إفريقيا وإمداد تلك العلاقات بالآليات اللازمة للحوار و التنسيق بين القادة هنا وهناك ,وفى ذلك مثلا نجدها لجأت لمحاكاة الكومنولث والفرانكوفون كنمادج، مع إضافة التعديلات الخاصة بها و التى تحرص عليها من خصائص العالم الثالث ، لذا قامت بتأسيس ما يعرف بمنتدى التعاون الصينى الإفريقى.
ويمكن أن نجمل القول بأن إستراتيجية التواجد الصينى فى إفريقيا تتسم بالتعاون العملى البرجماتى, و المساواة والمنفعة المتبادلة (حوار سياسى وتعاون آقتصادى)، فالصين استطاعت توفير شروط نجاحها فى آفريقيا وجعلت من قارتنا السمراء مصدر للموارد والمواد الخام و أيضا سوق للمنتجات، رافعة شعار (رابح/رابح) بحد تعبير الخطاب الصينى، مؤكدة دائما على أنها تسعى لبناء سياسة وإقتصاد على أسس من العدالة والمصداقية.. فهل لنا فى الصين عبرة؟.

[email protected]
Twitter: @Heba_elmolla

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *