الصداقة الحقيقية
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الله فراج الشريف[/COLOR][/ALIGN]
الصداقة أثمن ما يكتسب الإنسان في كل عصر وأوان، فاسمها مشتق من الصدق، والصدق أجمل ما يكتسى من خلق، ينجيه إذا عرض الكذب أهله للهلاك، ولا تنقلب الصداقة إلى عداوة بفعل الغيرة والحقد إلا في زمان السوء، الذي يقل أن ترى فيه خيراً يقع، ومن تصحبهم من الناس وتختلط بهم ليس كل احد منهم صالحاً لأن يكون لك صديقاً، ومهمة العاقل أن يختار منهم من يخلص له الود، وعند العثرات يمد له اليد، وعند النوائب يحمل عنه بعض مشقتها، يواسيه بنفسه، ويعفو عن زلته ويعظم صلته به، ويرى إحسانه هماً لا يوفيه حقه إلا بمجاوزته بإحسان أعظم وأنبل، وهذا اللون من الأصدقاء نادر لكنه موجود، فأنت إن تخيرت فاختره، وإلا حكمت على نفسك أنك لا تحسن الاختيار، فمدعو الصدقات كثر لا حصر لهم، وعند الاختيار لن يبقى منهم يستحق أن يكون لك صديقا إلا من ذكرنا آنفاً.
فمن يتظاهر بصداقتك ليستجلب منك منفعة يستفيد منها، فإن حصل منك عليها لم تعد تهمه، وجفاك عند أول بادرة اختلاف مفتعل معك، وذاك الذي هو مضطر لصحبتك، اما لأنك تملك ما ينقصه، وليس الأمر مقتصراً على المادة، فقد تملك علماً ومعرفة فكراً وادباً، أو حتى موهبة، هو لا يستطيع امتلاكها، مما يجعله يتقرب إليك ليشعر الناس أنه من أصحاب هذه المواهب، فها هو يصادق من يمتلكونها، وإذا لم يقتنع الناس بأنه ممن يمتلكونها، فلا أقل من أنه زين مجالسه بأصحاب هذه المواهب والقدرات فأوهم الناس أن هذه هي بيئته، وهو أبعد الناس عنها في الواقع.
ولا تختر لصداقتك من هو في داخله لك حسود حقود، ما أن يجب ما يظن أنه نقيصة فيك إلا ونشرها بين الناس، وإن كنت صاحب نعمة تمنى زوالها عنك، وكأن ما أصابك من نعمة هي حق له قد استوليت عليه فظلمته بهذا، ولاتختر أيضاً المدعي للصداقة الذي يتآمر عليك حتى يبعد كل خير أن يصل إليك حسداً من عند نفسه، ولانه يراك العدو اللدود له وإن لم ينله منك أي ضرر، شهوته للانتقام منك، مصدرها شعوره أنه أدنى منك في كل شيء، لافتقاره لسائر القدرات المبدعة، ومن يعانون من أنماط أدعياء الصداقة الذين ذكرنا صفاتهم يجب أن يعلموا أن هؤلاء ليسوا أصدقاء حقيقيين ولا يحملون مواصفات الأصدقاء، واكتشاف رداءتهم ذكاء، والبعد عنهم حكمة، ولو فعل النبلاء ذلك لما عاد لأدعياء الصداقات وجود، فالغفلة عن سموم مثل هؤلاء لون غباء يجب أن يكف عنه العقلاء، حتى لا يبقى في ساحة الصداقة إلا النبلاء الأوفياء، وما أقلهم في هذا الزمان الذي غابت عنه القيم المثلى، فتخيروا صداقاتكم حتى لا تضاروا، هذا ما نرجو والله ولي التوفيق
ص.ب: 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043
[email protected]
التصنيف: