الشخصية والمزاج العربى (3)

• هبه عبد العزيز

كنا قد تناولنا فى مقالنا السابق بعض الملامح النفسية والمزاجية ل «الشخصية العربية», وكيفية تأثير اللغة العربية كعامل مشترك على تفكير وسلوك الإنسان العربى, ومررنا سريعا على نظرية «الأنومى» لعالم الإجتماع الفرنسى «إميل دوركايم» وأهميتها فى دراسة وتحليل ما وصلت إليه مجتمعاتنا من إنحراف قيمى, وناقشنا كذلك بعض المفردات والقيم المنتشرة, وكيفية تعاطينا وتعاملنا معها، وهو مجال هام ومتشعب، يستحق منا المزيد من الإهتمام والبحث والدراسة، إذا أرادنا أن نحيا حياة أكثر راحة، سعادة، وتحضر.
واستكمالا لما بدأناه فقد لفت نظرى أن الفرد فى مجتمعاتنا العربية ليس (وحدة قياس مستقلة بذاتها) فى الغالب, فقد يكون الشخص جيداً أو سيئاً بغض النظر عن أهله وناسه, إلا أننا مازلنا وخاصة فى المجتمعات التقليدية نستخدم الأسرة أو العائلة كمقياس للحكم على الفرد, وذلك لإعتقادنا بأن الصلة العائلية قوية التأثير جدا, فمثلا فى حياتنا اليومية لازلنا نستخدم مصطلحات للمدح أو الذم مثل : فلان ابن فلان, أبو فلان ،دور عل الأصل،… وغيرها. وهذا الأمر له تأثيراته السلبية على النواحى الإجتماعية (كالزواج، العمل و……) وأيضا فى النواحى السياسية, حيث نرى أنه أحد أهم الأسباب التى ساهمت فى إفشال تطبيق النظم الديمقراطية فى عالمنا العربى, فولاء الفرد غالبا ما يتجه الى أفراد أسرته أو قبيلته أو طائفته. لذا فإن إختيار من يمثلنا فى النظام النيابى أو البرلمانى يتأثر بالأوضاع العائلية الموروثة أو الطائفية، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للأحزاب السياسية ومناصب الحكم والإدارة, وقد دعمت الدول الأجنبية والإستعمارية ذلك الإتجاه أو العرف الموروث, لتبقى على روح التفرقة والتجزئة, وتظل هى فى المركز الأقوى، لذا فتطبيق النظم الديمقراطية لم يأت بالجديد, وفشل فى آداء ما كان مطلوب منه, فالنواب من المفترض أن يمثلوا كافة طوائف وطبقات الشعب, إلا أن التجربة العربية إختلفت عن مثيلتها فى الغرب, وبمرور الوقت كفر المواطن العربى بجدوى تلك البرلمانات التى لا تعمل لصالحه ولا تمثله، بل تعمل لصالح فئة معينة، ومن ثم أبقت على الإستغلال القديم.
أيضا عندما نبحث ودون حتى أن نتعمق فى طبيعة الشخصيةالعربية، نجد أن العربى يحمل نفساً غامضة, فيها شيئاً من الحزن, ونرجح أن هذا الحزن قد يرجع إلى كبت المشاعر, فالرجل فى مجتمعاتنا مثلا لا يجب أن يبكى, كما أنه من الوقار ألا يعبر عما يفرحه ويظهر المرح والضحك والإستمتاع بالحياة, وأى إظهار علنى للحب غير مستحب! فالعرب نجدهم أكثر تقبلاً لفكرة التعبير عن الحزن وإظهاره عن إظهار الفرح والتعبير عنه.
كما نلاحظ أيضاً أننا نميل للحكم على الآخرين بأحكام سريعة ، وقد تكون هذه الأحكام نهائية، وذلك من مجرد موقف أو خبر سمعناه أو نقل إلينا، وقد يكون هذا الخبر شائعة لا أكثر!.
ولنرفع شعار التنوير على نحو ما قاله “كانط” (وكن جرئيا فى إعمال عقلك) ، ولنربط العقل بالمعرفة وليس بالحقيقة, فالدوجمائية لن تزيدنا إلا إنقساما. ولنضيف المعرفة لعوامل الإنتاج (الأرض والمال و العمل )، وهذا ليس باختراع ولا إبتكار جديد, إنه الأمر الذى إتبعته المجتمعات المتقدمة مما أفر شخصيات مستقلة خدمت بلادها والعالم من حولها.
وأود أن أختم مقالى هذا بأن معرفة الجانب المعنوى عن أنفسنا وشخصياتنا لا تقل أهمية عن معرفة الجانب المادى، فيجب أن نتعرف على جوانب شخصياتنا, وطبيعة مزاجنا ونكون واسعى الصدر للنقد الذاتى، إذا أردنا مستقبلاً مختلفاً نعيش فيه حياة حضارية.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *