السفير أورن و(الترادجي) الإغريقية

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. خليل حسن[/COLOR][/ALIGN]

يبدو أن هناك نسمة مشجعة في الأفق، لتحركات جادة للسلام في الشرق الأوسط، وأن الإدارة الأمريكية والكونجرس واللوبي الإسرائيلي مقتنعون بأن المعضلات الدولية متشابكة مع الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن تكملة حلها الا بالانسحاب لحدود عام 1967 وتنفيذ مشروع الدولتين. وبينما يستعد نتنياهو للمشروع الأمريكي الجديد، أعلن قبوله بالانسحاب من بعض ألأراضي اللبنانية، وعين سفيرا جديدا في واشنطون. فمن هو هذا السفير؟ وما هي آراؤه ومواقفه؟ وهل يمكن أن يستشف العرب من خلاله خطط الإدارة الإسرائيلية غير المعلنة؟
ولد البروفيسور مايكل أورن، السفير الإسرائيلي الجديد في واشنطون، بمدينة نيويورك في عام 1955، من عائلة يهودية محافظة، وأصبح في بدايات شبابه ناشطا في الحركة الصهيونية، وسافر لإسرائيل وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل في مجمعات الكيبوتز. وقد تخرج من جامعة كولومبيا الأمريكية في عام 1977، وهاجر إلى إسرائيل، ثم رجع لأمريكا ليكمل دراسته بجامعة برنستون ويحصل على الدكتوراه. وقد شارك في عدة حروب في المنطقة بعد رجوعه من الولايات المتحدة. وعمل أستاذا زائرا بجامعات هارفارد وييل وجورج تاون، بالإضافة إلى أنه كاتب روائي ومؤرخ، ومن أشهر كتبه، حرب الأيام الستة.
ويعتقد مايكل أورن أن مصير الولايات المتحدة مرتبط بمصير الشرق الأوسط، وأن نجاحها مرتبط بالبناء الاقتصادي والسياسي فيه، لا بالمواجهة العسكرية. كما ذهل من جهل الأمريكيين بالشرق الأوسط، \”لقلة فضولهم لمعرفة الإسلام\”، واستغرب من الرئيس جون ادمز الذي \”كتب أربعين صفحة مملة ضد الإسلام ولم يقابل حتى مسلما واحدا\”. وانتقد تحوير الإعلام الأمريكي \”للفوز الانتخابي الإيجابي لحماس، بأنه فوز للفساد والفقر والغدر ضد الأمريكيين\”. كما طالب بالانسحاب الأحادي الجانب من مستوطنات الضفة الغربية، للمحافظة على إسرائيل دولة يهودية.
ولنحاول عزيزي القارئ أن نتصفح كتابه، حرب الأيام الستة، الذي بدأ مقدمته بالقول: \”تعرف حرب الأيام الستة بالحرب الفريدة في تاريخ الحروب، فقد كانت أول حرب قصيرة وغير مرغوبة وغير متوقعة في التاريخ، التي أنهت الحروب بين إسرائيل والدول العربية، وحولتها لصراع مع الفلسطينيين، لتبرز حركة التحرير الفلسطينية كقوة إقليمية مؤثرة، ولتنتهي بالخريطة المعاصرة لمنطقة الشرق الأوسط، التي ترافقت بتطرفه وتناقضاته الدامية\”.
وعلق على هدف تأليف للكتاب بقوله: \”لقد حاولت معرفة السبب وراء احتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وأسباب انحسار المد القومي وانتشار التطرف السياسي الديني في المنطقة، وسيساعدني ذلك على البحث عن حلول واقعية لهذا الصراع\”. كما علق على خلفيته الإسرائيلية بالقول: \”لقد حاولت أن أكتب هذا الكتاب بعد نشر الوثائق السرية للحرب، ومن دون تحيز بقدر المستطاع، مع خلفيتي اليهودية والإسرائيلية، ومع ما عانيته من هذا الصراع، حيث أتذكر يوم زواجي في الخامس من أغسطس عام 1982 أمرت بالالتحاق بحرب لبنان بعد ثلاث ساعات من زفافي، وأتذكر جيدا الانفجار الانتحاري الذي قتل أخت زوجتي\”.
وشرح الكاتب تفاصيل حرب عام 1967، التي بدأت حلقاتها بعد تأسيس حركة التحرير الفلسطينية في عام 1965 وبدء العمليات الفدائية، ففي الحادي عشر من نوفمبر عام 1966 تعرض جنود إسرائيليون لانفجار لغم قرب الحدود الأردنية، فردت إسرائيل بهجوم مضاد أدى لقتل وجرح عدد من الجنود الأردنيين، فغضب الرئيس عبدالناصر، ورد على هذه المجزرة بهجوم انفعالي عنيف على القيادة الأردنية واتهمها بالتقصير، ليجاوب الأردن: \”المقصر الحقيقي هو الرئيس عبدالناصر، الذي يختفي وراء تنورة قوة حفظ السلام في غزة\”، وقد أدت هذه المقولة لتحسس عبدالناصر من وجود تلك القوات التي فرضت على مصر بعد حرب عام 1956 بعدها سافر السادات لكوريا الشمالية في 11 مايو 1967، وبعد رجوعه من هذه الزيارة ، عرج على موسكو لزيارة مجاملة، وحينها أخبرته القيادة السوفيتية، بوجود خطة إسرائيلية مباغتة لغزو سوريا، فرجع السادات من موسكو واخبر عبدالناصر بالخبر، فأرسل الفريق محمد فوزي إلى دمشق لتقصي الحقائق، فلم يلاحظ فوزي أي تطورات إسرائيلية جديدة على الحدود السورية. وحينما أخبر عبدالناصر بالحقيقة قرر الرئيس تجاهلها، وأمر بإرسال مائة ألف جندي وألف دبابة إلى سيناء، وأصدر أوامره بترك قوات حفظ السلام لغزة وسيناء، وأن تبقى متركزة في شرم الشيخ.
ويعتقد الكاتب أن السبب الرئيسي وراء الحرب هو تحريف المشير عامر لأوامر عبدالناصر، بأمره لقوة حفظ السلام بالانسحاب من شرم الشيخ، الذي أغضب إسرائيل، واعتبرته تحركا لغلق مضيق تيران، ومنع مرور سفنها بالبحر الأحمر. كما يعتقد الكاتب أن المشير عامر قام بتحريف أوامر عبدالناصر لتحمسه للقيام بحرب ضد إسرائيل، ليسجل انتصارا يعوض به خسائر حرب 56، مع أن قيادات الجيش المصري قد أخبرته بعدم استعدادها للحرب في تلك الفترة. وحينما تحرك الجيش المصري إلى شرم الشيخ، استغلت إسرائيل الفرصة للقيام بهجوم مباغت لتدمير الطيران المصري، ويصف الكاتب الخطة الإسرائيلية بقوله: \”لقد كانت إسرائيل قلقة ومتخوفة لمجابهة الحرب وحدها، لذلك خططت لضربة جراحية مباغتة، وتوقعت إنهاء الحرب خلال يومين، وذلك بتدمير الطيران المصري، وردع جيشه عن شرم الشيخ، ولم يكن ضمن الخطة احتلال سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان والقدس الشرقية\”.
ويعلق الكاتب على موهبته في الجمع بين البحث التاريخي والسرد القصصي بالقول: \”لقد تشكلت كتاباتي من خلال شخصيتي كمؤرخ تاريخي وكاتب قصصي، وهي شخصية مهمة في الحرب والدبلوماسية. فيحاول كاتب الرواية من خلال المؤرخ، أن يدخل في عقول القيادات التاريخية، ليدرك كيف يرون العالم\”. كما قيم قيادات هذه الحرب، فوصف ليفي أشكول، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، بأنه المضطهد المولود في أوكرانيا، التي كانت في تلك الفترة تحت إدارة الحكومة القيصرية، فعاش وحشية مذابحها. وتساءل الكاتب: كيف يمكن أن ينظر أشكول للسوفيت في عام 1967 وبخلفية طفولته؟ فهل من الممكن أن ينظر لهم بغير عيون الريفي اليهودي الذي يرى السوفيت يهاجمون بيته ويذبحون عائلته؟ أو كيف كان ينظر عبدالناصر لإسرائيل الذي يعتقد أنها امتداد للامبريالية الأوروبية؟ فعبد الناصر الذي حارب الامبريالية الأوروبية طوال حياته، كيف سيرى الإسرائيليين؟ وأما موشي ديان فلم يستطع الكاتب الدخول في عقله، ووصف شخصيته بأنها تحد للمؤرخين، وبأنه الشخص الذي يغير رأيه في كل لحظة، فقد عارض احتلال الجولان، ولكنه قرر أن يحتلها وحده، وارتبط ذلك بصراعه مع غرور الأنا في احتلال الجولان ودخول القدس القديمة. كما يعتقد ان شخصية الرئيس عبدالناصر كانت شخصية عاطفية مأساوية، مع انه كان في الكثير من الأحيان برجماتيا واقعيا، \”ولكن أدت عقدة حبه وكرهه لجنرالاته للقضاء عليه\”. وقد كان ذلك واضحا في علاقته مع المشير عامر حيث كان صديقا ومنافسا ومخالفا ومحرفا لقراراته التي أدت كذبته لهزيمة الحرب غير المتوقعة.
ويعقب الكاتب بقوله: \”لقد كانت قصة عبدالناصر قصة إنسانية عظيمة ومأساة بشرية محزنة، وقد وصف زميلي فؤاد العجمي، البروفيسور بجامعة جون هوبكنز، نمو شخصية الرئيس عبدالناصر في العالم العربي في الخمسينيات والستينيات كسوبرمان هائل، فحتى اليوم لا يستطيع أن ينظر إلى صورته من دون أن تدمع عيناه. وقد يصعب علينا كغربيين أن نتصور ماذا كان يعني عبدالناصر للعرب. فبعد دراستي لتاريخه خلال الخمس والعشرين سنة الماضية، استنتجت أنه كان قائدا صادقا ومحبا لوطنه وشعبه، وعلقت عليه آمال كبيرة وصادقة، ولكنه اصطدم بفوضى السياسات العربية المعقدة، وبالحرب الباردة، وبتحمل ثقل حكم مصر. كما كانت علاقاته بالمشير عامر علاقة رومانسية صادقة، ولكنه كان حبا أخويا أفلاطونيا. وقد كان المشير عامر، بضعفه ورغباته، يحاول أن يثبت قدراته في المعارك الحربية، التي أدت إلى توريط عبدالناصر في هذه الحرب وهزيمته وانهياره، فقد كانت فعلا ترادجي مأساة إغريقية حقيقية.
واستبدل شعب فلسطين \”اعتماده على الحكومات العربية بحركته الوطنية لتحرير أراضيه\”، لتصبح القوة الدافعة في الصراع العربي الإسرائيلي والخلافات العربية – العربية. كما غيرت المنطقة سياسيا، فزادت ديناميكيتها وقل استقرارها، ومكنتها من التطور والتغير جذريا\”. والسؤال لعزيزي القارئ: هل فعلا ستنتهي المأساة الإغريقية لحرب عام 1967، بتغير جذري يحقق أمنية الأمير سعود الفيصل: \”بأن تصبح منطقة الشرق الأوسط واحة للسلام، ينعم فيها جميع أبناء إبراهيم عليه السلام، بحياة طبيعية ومزدهرة وآمنة ومتحررة من الخوف؟\” ولنا لقاء.
أخبار الخليج البحرينية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *