م. أنس الدريني

قليلة هي المحطات التي تستحق الوقوف أمام ما تقدمه من برامج في خضم هذا العبث الإعلامي الذي تعج به وسائل الإعلام. ولعل من بين هذه القلة إذاعتنا الجميلة إذاعة البرنامج الثاني بجدة التي تعمل وفق رؤى و خطط علمية مدروسة أخذت بعين الاعتبار الارتقاء بوعي القارئ والوصول معه إلى مكامن المعرفة الأدبية والفكرية والعلمية أيضا . ومن خلال اتساع رقعة الوطن الجغرافية التي تزخر بإرث ثقافي وشعبي منوع انبثق من إذاعتنا المحبوبة العديد من البرامج الشعبية في محاكاة واقعية لهذا التنوع الفريد ليبحر المستمع عبر أصوات مذيعيها الرائعين في أعماق تراثنا الشعبي المليء بالدرر والكنوز المعرفية الثرّة.
ولعل من ذلك ما يقدمه الإذاعي سامي عنبر من برامج مميزة كبرنامجه ( دانة وبحر وموال) الذي عشنا معه أسعد اللحظات ونحن نجوب أرجاء الموروث الشعبي في بلادنا ونلتقط بكاميرا إحساسنا صورا فريدة من التناغم والانسجام ونطرب على مقامات الطرب الينبعاوي وترنيمة الدانة الحجازية وجمالية المجرور والمزمار والخبيتي والخطوة والمقطوف والرديح .
واليوم يطل سامي عبر برنامجه (الساحل الغربي ) ليفرد صحائف تعريفية جديدة تختص بشؤون المجتمع عاداته وتقاليده في قالب فريد من حيث البساطة والأريحية التي يبدو عليها الضيوف عند تقديمهم للمعلومة لنمضي معه في رحلة مختلفة تدعونا للتوقف الطويل عند محافظات المملكة للتعرف على طبيعتها الجغرافية وأهم ما يميزها في الجانب التاريخي والثقافي والعمراني كأن تعرف على سبيل المثال أن سمة البناء قديما على ضفاف الساحل الغربي كانت تتوافق مع طبوغرافية المنطقة المليئة بالصخور لذلك كان البناء الحجري أو البناء بالحجر هو السائد في تلك الفترة و تكتشف بنفسك ما لهذا البناء من ميزات علمية هامة فالبناء بالحجر يكسب المبنى مساحة أساس عريضة تضمن ثباته وديمومته وتعرف بان الحجر يجلب من البحر وبالتحديد من شعابه المرجانية ومنه يبنى هيكل المبنى وكافة أجزاءه بالإضافة إلى الطين الذي يستخدم في تغطية الجدران والأدراج و في طمي الأسقف المكونة من جريد وسعف النخل والخشب الذي يستخدم في الفواصل مابين الغرف وكذلك في صناعة الأبواب والشبابيك والرواشين وتتعرف على أهم الأدوات المستخدمة في البناء آنذاك كالمسحاة والقراري وهي الأداة التي يُشكل من خلالها الحجر ليكون جاهزا للرصف وكذلك الزنبيل أو المعرى الذي يحمل به الطين والسقالات القديمة التي تعمل بالبراميل وتربط بألياف الحبال وهكذا تمضى بنا الرحلة إلى أبعاد كثيرة مشوقة تستحق الاهتمام والمتابعة ومن هنا نأمل من وزارة الثقافة والإعلام أن تقوم مشكورة بترجمة هذه الحلقات إلى عمل ملموس كأن تكون حلقاته مفردة في (سي دي) معتمد وتعنون بعنوان ملفت كــ ( رحلة في بلادي ) أو شي من هذا القبيل ليتسنى للنشء ومن أراد الفائدة أن يستفيد منها بالشكل المطلوب كما ونأمل أن تعزز مثل هذه البرامج ببرامج أخرى تحمل أفكار متجددة ومنوعة لجذب المستمعين والارتقاء بمستوى المعرفة لديهم.
أخيرا لم يبقي سوى أن أجزي بالتحية لسامي عنبر وكافة العاملين في إذاعتنا المحبوبة متمنيا لهم العطاء الدائم ودوام الازدهار والتوفيق.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *