الرياضة اللغوية .. والتفوق

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. موزة المالكي[/COLOR][/ALIGN]

مما يؤسف له أننا لا نعلم أطفالنا مبكراً القدرة على التعبير السليم ونطق المعاني المفهومة واختيار الألفاظ التي تتطابق مع ما يود التعبير عنه.. وتكون النتيجة أن كثيرين يتلعثمون تلعثما فادحا حينما يتحدثون.. ويكبرون دون أن يتوازى هذا النمو مع النمو في القدرة التعبيرية. إن كثيرين قد أحرزوا مواقع مرموقة في حياتهم العملية.. وكان أهم أسباب التفوق العلمي والمهني عندهم قدرتهم على التعبير، واختيار الكلمات المعبرة، ولا يعني إنماء القدرة التعبيرية إصابة الناشئة بداء الثرثرة، ولكن تعويدهم على الاقتصاد الفذ في الكلمات الذي يتوازى مع القول المأثور «ما قل ودل».
وهناك كشف طبي تناقلته مؤخرا وسائط الإعلام يقول إن الذين يصابون بمرض الزهايمر في شيخوختهم هم الذين كانوا يتعلثمون كثيرا في طفولتهم.. ولهذا فإننا عندما نعمل على تخليص الطفل مبكرا من اللعثمة، فإننا نعمل على وقايته من الإصابة بالعديد من الأمراض لاحقا.. فتنشيط قدرة الطفل اللغوية وتوسيع معجم مفرداته وتزويده بالتراكيب اللغوية التي تساعده على التعبير.. وتنمية قدراته على الاستفهام السليم وتنمية ذكائه المعرفي. كل ذلك من ضرورات نجاحه في حياته العملية مستقبلا.. فكلما أصبح الطفل محترفا في التعبير وقادرا على اختيار المفردات الجذلة والاقتصاد الفذ في الكلمات كان ذلك مؤثرا لا في قبول الآخرين له فقط.ولكن في قدرته على تحقيق أهدافه، فهذه المهارات اللغوية جزء مكمل في شخصيته يجعله مقبولا ومستحسنا من الآخرين قادرا على الوصول الى قلوبهم بأبسط الكلمات المنتقاة بعناية وبحذاقة وذكاء.
الغريب أن معظمنا يبذل جهودا لكي نجعل أطفالنا يحترفون نوعا من صنوف الرياضة ولا نجعلهم يحترفون التعبير بالكلمات، مع أن الأخير أكثر ضرورة في حياتهم العملية والمدرسية وحتى الرياضية.
إن تنمية مهارة الطفل اللغوية وجعله متفوقا في هذه الرياضة اللغوية المهمة لا يأتي تلقائيا.. ولا ننتظر أن يكون الطفل ماهرا ومتمكنا من اللغة ومن القدرة على التعبير المطلوبة إلا باتباع أساليب عديدة من قبل الأهل والقائمين على تربية الطفل.. ولعل الأسلوب الأول في تنمية المهارة اللغوية وتقوية عضلات اللغة لديه يكون في تعويد الطفل على القراءة وجذبه الى عالم الكتب وأيضا من خلال فتح أذنيه على أصوات معبرة وإذاعيين لهم قدرات لغوية تسهل التوصيل وبدون تعقيدات وجمود.. ومن خلال التدخل المناسب لتصحيح الأفكار والمفردات التي لا تعبر عن المعاني المنشودة خلال الجدل.. كل ذلك من شأنه تطوير المهارات اللغوية للنشء وقيمة هذه المهارة تنضج أكثر خلال المرحلة الشبابية في عمر المرء حينما يجد نفسه مطالبا بالتعبير للطرف الآخر عن مشاعره وعن أفكاره فكثيرون يخفقون في حياتهم العاطفية لأن الكلمات قد ولت الأدبار وألسنتهم قد تلعثمت أو أن أفكارهم كانت خرساء أو أن أذهانهم فارغة من قاموس راق للكلمات فاختاروا مفردات أو تعبيرات مفلطحة لم تلق استحسان الطرف الآخر أو أنهم يعبرون باقتضاب ممل لأنهم لا يقدرون أهمية الكلمات وأثرها أو لأنهم لم يتعودوا التعبير السليم منذ نعومة أظفارهم، فتأتي الكلمة بوقع المطرقة بدل أن تأتي بوقع السحر والانجذاب.
وكثيرون يفشلون في حياتهم العملية والوظيفية لأنهم يفتقدون الى تلك المهارات اللغوية فيستخدمون كلمات وتعبيرات مجافية للذوق السليم أو أنهم يلجأون الى أساليب سوقية في التعبير أو عبارات استفزازية أو عدم القدرة على مجاراة مهارة الطرف الآخر.. فالتفاوض العملي على نطاق رجال الأعمال أو غيرهم يعتمد بالأساس على القدرة السليمة على التعبير.. فهذه المهارة هي الرقم الأول في معادلة نجاح أي إنسان وللأسف فان البعض لا يأخذ بأهمية هذا الرقم في حياته وتكون النتيجة كما أسلفنا عجزا في اللسان وفشلا في الحياة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *