[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فهد بن محمد علي الغزاوي[/COLOR][/ALIGN]

رحم الله معالي الشيخ/ محمد النويصر، الرجل الذي فتح قلبه قبل بابه لاستقبال مراجعيه وأولى الصغير قبل الكبير الرعاية والعطف والاهتمام. تراه قوياً شديداً صلباً في مظهره لكنه لطيفاً لين الجانب رحيماً على الضعفاء في مكتبه شديداً في إدارته نظامياً مهابا. اتسمت شخصية هذا الرجل الكبير بالهدوء والوقار وكانت له شخصية قويّة واسمٌ صانعٌ ووجاهةٌ نادرة وطُرق دبلوماسية للتعرُّف على مراجعيه. كانت لدى شيخنا رحمه الله وأسكنه فسيح جناته فراسةٌ مفرطة يتعرف من خلالها على أبناء العوائل والقبائل. أحبه الناس وأقبلوا عليه فأحبهم. قصدوه واستنصروه فأجابهم وساعدهم ووقف بجوارهم رغم مشاغله ومسؤولياته الكثيرة لا ترى عليه ملامح الضجر أو التعب أو حتى الملل، ونحنُ نعرف شيخنا ودوامه المتواصل في الديوان الملكي، تتجددُ عليه المآسي والمشاكل من كل جانب فيحتويها ويستوعبها. حقيقة هو مهيئاً فطرياً وشخصياً وفكرياً لمثل هذا المكان والزمان. لم يُغيِّره المنصب أو العمل في معيّة المُلوك بل زاده قدراً وتواضعاً وتسامحاً وحُباً لقضاء حوائج الناس. من منّا لا يعرف معالي الشيخ/ محمد بن عبدالله النويصر. كان يُرحب رحمه الله بعباراتٍ لا أنساها ما عشت عندما أدخل عليه وأسمعها (أهلاً بالوجوه النيِّرة).
كان الجَدّ أحمد بن إبراهيم الغزاوي يُرسلني لمعالي الشيخ/ محمد النويصر في الديوان الملكي بعددٍ من الخطابات لتسليمها إليه مباشرةً دون وسيط في مكتبه العامر بقصر الحمراء آنذاك. فيستقبلني رحمه الله بكل حب وتقدير وتهليلٍ كما سبق أن أشرت ومن ثم يطلب لي القهوة العربية أو الشاي. ويحكي لي رحمه الله علاقته بالغزاوي أنها قديمة وأخبرني عن بيت الشيخ الغزاوي في مكة المكرمة في جبل هندي وكيف كان الملك فيصل رحمه الله يرسل معالي الشيخ/ النويصر للغزاوي ببعض الأوراق، كما شرح لي رحمه الله مكتب الغزاوي في بيته بمكة المكرمة ومكتبته وقال لي كان الغزاوي لا يرتاح إلا في أعلى مكانٍ في البيت. يقصد في الطابق العُلوي لداره. وفي ذات يومٍ أرسلني الغزاوي رحمه الله للشيخ النويصر بظرفٍ داخله أوراق لا أعلمُ ما بها. ولكن الغزاوي يومها رحمه الله لم يقم بقفل الخطاب المظروف وإلصاقه بل تركه مفتوحاً. وعند وصولي لقصر الحمراء ودخولي الديوان الملكي طلب مني أحد الجنود بالانتظار حتى يعرض الخطاب على مقام معالي رئيس الديوان الملكي رحمه الله. فطال انتظاري فكنتُ يومها منتظراً من الساعة الثانية عشر ظهراً حتى الثالثة بعد الظهر وقد انتابني القلق والتعب ثم بعد ذلك سألني أحد ضباط الحرس الملكي وكان برتبة (مقدم) من فتح المظروف المُرسل لمعالي رئيس الديوان، فقلقت ساعتها وقلت في نفسي ما هذه الورطة التي وقعت فيها فأخبرته أن الغزاوي لم يقفل المظروف وتركه دون قفل. ثم دخل المقدم لمعالي الشيخ رحمه الله وخرج طالباً مني مقابلته بشأن هذا المظروف. وكنتُ لا أعلم ما وكعادة معاليه في السماحة والهدوء والابتسامة والرُوح الطيبة السمحة أدخل يده رحمه الله في جيبه وهو على مكتبه وأخرج لي زجاجة العطر (دهن العود) وعطرني رحمه الله، وكُنت أريد الخروج بأي وسيلة من هذا المأزق المُحرج فقلتُ لمعاليه: هذا يعني أنه ليس بعد العودُ قعود. فضحك معاليه وأهداني تولة من عطر العود كما اتصل رحمه الله هاتفياً بالشيخ الغزاوي وأخبره عن أمر الخطاب بأنه وصل إليه مفتوحاً وليس مختوماً وكعادة الغزاوي في مثل هذه المواقف: أنا تعنيتُ أن أتركه مفتوحاً لأن هناك ثقة كبيرة بأبنائنا. وبعد هذه المقابلة أصبح معالي الشيخ يعرفني عن بُعد فكلما وجدته بالمسجد أو في الحرم الشريف يبادرني بسؤاله الذي ينُم عن فراسة.
ويقول غزاوي: وتشاءُ الأقدار أن أصبح في يومٍ من الأيام جاراً له وكنتُ أقابله أحياناً في الصلاة فتراه جم التواضع عند دخوله المسجد، يلتزمُ أحد أركان مؤخرة المسجد على كُرسيٍّ ثابتٍ ثم أصبح بعد أن كبُر على كرسيٍّ متحرك وأحياناً كثيرة ما كان يدعوني في المسجد ويهزّ رأسه ويُعطرني بعطر العود ، وأقولها اليوم بعد رحيل شيخنا للزمن والتاريخ بأنه كان يتواجدُ في الحرم المكي في كل ليلة جمعة وأحياناً الاثنين والجمعة من كل أسبوع تراه جالساً تحت (المكبريّة) في الحرم الشريف في آخر الليل. وكان كثيراً ما يتجنب مطالبة الناس أو إحراجه أو مضايقته أثناء تواجده في المسجد. ولكن أين يهرب من قدره؟ هذا الرجل الذي فقدناه ونشعر اليوم بألمٍ وأسفٍ وحُزن لرحيله يحبُّ مساعدة الناس وخاصةً المرضى منهم ويتحقق وضعهم فكثيراً ما ينصحُكَ ماذا تفعل للحصول على حاجتك أو مطلبك. ويُقدم بكل أريحةِ نفس مساعدات شخصِّيَة رأيتها بأم عيني في مواقف كثيرة. لا شك أن مصاحبة الملوك والعمل خلف مكاتب الديوان خلقت في نفس هذا الرجل التواضع والتسامح والعطف والكرم وحب الطاعات والالتزام بالواجبات.
فمعالي الشيخ قدم لنفسه الشيء الكثير في حياته. عرفتُه لا يحب الظهور أو الاعتداد بالنفس، كان يبعد عن الأضواء ويميلُ بشدة إلى التواضع ليس له سيارة معينة فهو في كل يوم في سيارة متواضعة لا تعرفها ولا تعرف من بها، فالبساطة هي سمةٌ من سماته لا تجد في صحبته حراس أمن أو بجوار داره. حقاً إنه رجل دولة من الطراز الأول. وأحسبه إن شاء الله خيارٌ من خيار. رحم الله شيخنا ووالدنا / محمد النُويصر وأسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه الصبر والسلوان. ولا نقول إلا: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما عاش من عاش مذموماً خصائصه
ولم يمت من يكن بالخير مذكورا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *