الرجل الذي بكى
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حصة العوضي[/COLOR][/ALIGN]
لم تغمض له عين .. فمنذ البارحة وهو يبحث حوله عن مخرج من تلك المشكلة الكبيرة التي وقع فيها .. والتي أدّت به وبكل ما كان يسعى له إلى الهاوية.كم من مرّة رأته وهو يتحدّث في الهاتف بصوت منخفض جدًّا .. ولم تسأله عمّن يحدثه .. كم من مرّة خرج من المنزل على عجل .. وهو يقول لها .. أمر طارئ في العمل .. كم من مرّة خرج الجمعة صباحًا ولم يعد إلا متأخّرًا .. وهو يقول لها: لديّ اجتماع مهم .
هل يعتقد بأنها غبيّة إلى هذا الحدّ الذي لا يُمكنها أن تفهم فيه رجلها وزوجها الذي اختارته من بين شباب العائلة كلهم ؟ هل يعتقد حقًّا بأنها لا يُمكنها أن تفرق بين محادثة هاتفية بريئة .. وأخرى طائشة ؟
ربّما هي كذلك .. فهي لم تحاول النظر إلى هاتفه حين يرن .. أو حين تصل إليه بعض الرسائل .. أو حين يرن رنة واحدة ويقطع .. هي لم تسأله عن كل ذلك أبدًا .. ربما لأنها غبيّة حقًّا .. وربّما هي أذكى مما هو يتصوّر .. وربّما هي ممتنعة عن طرح مثل هذه الأسئلة لأنها تعرف الإجابة مسبقًا .. (صديق في ورطة كبيرة .. بحاجة إليّ ..) (اجتماع طارئ .. المهم أنه يختفي خلف باب ما .. ليتجنب نظراتها وتساؤلاتها الصامتة عن صاحب ذلك الاتصال ..كل الأيام التي كان يخرج فيها في نفس الموعد لا يكون هو موعد العمل .. كل الأعياد التي خرج فيها حتى قبل أن تصحو هي من نومها حتى لا تسأله إلى أين ؟.يا إلهي .. إنها قائمة طويلة وعريضة تلك التي أعدّتها له .. والتي كانت تهيؤها لذلك اليوم دون أن يدري .كيف بالله عليك تفترض غباء امرأة انت اخترتها لذكائها وتفوّقها على بنات العائلة في كل شيء .. ؟؟ فقط سكوتها وصمتها عما تفعله من خلفها ليس دليلاً على الغباء .. بل ربّما العكس.كيف تتوقع أن تصدقك موظفة تعمل معك في نفس الدولة ونفس الكادر الوظيفي .. بأنك لا تحصل على راتب يكفيك أنت وعائلتك وأنت أعلى منها في الدرجة الوظيفية والدراسية ؟كيف يعقل أن كل سفراتك التي قطعتها طوال هذه السنوات مع وزارتك وإدارتك .. لم تكن تحسب لك كمهمات رسمية ..؟؟ تأخذ عليها أجرًا كبيرًا ومغريًا ؟
فقط لمجرّد أنها صمتت عنك طول ربع قرن كامل .. فهذا لا يعني أنها لا تفهم شيئا .. بل يعني أنها ستنفجر يومًا ما .. حين يصل بها الأمر إلى منتهاه .. وسوف تفجر فيك كل قهرها .. وكل غضبها وكل حنقها الذي كتمته سنوات العمر الماضية ..
ألم تفكر بها كإنسانة لها كيانها ومشاعرها التي تتقصى كل حركة وكل غمضة جفن وكل خفقة قلب ؟ ألم تحركك مشاعر الحب الأولى وسنوات العشق والهيام السابقة .. وبدايات الزواج المليئة بالغرام والتضحيات الكثيرة من قبلها ..
الآن .. بعد أن كبر الصغار .. ورحلوا إلى جامعاتهم ومستقبلهم .. ما كان منها إلاّ أن تُلقي بك أنت وأسرارك المكشوفة لها .. وترحل عنك إلى غير عودة .. خاصّة بعد أن تركتك تذرف دموع الندم .. وأنت تستلم قرار المحكمة بالخلع .. الآن .. لتنفعك تلك الرنات الهاتفية والمسجات والهمسات والسهرات الخارجية .. وكل تلك اللقاءات السرية .. وأسرارك الوظيفية والمادية المتراكمة بأرباحها .. ولتمسح عنك دموع الندم والهجر .. والخلع .. فأنت لا تدري منذ متى كنت مخلوعًا بالفعل من القلب والروح والعاطفة .. وهل عرفت الآن إن كان ذلك وعيًا منها وذكاء .. أم كان غباء خالصًا .. كما كنت تدعي ..؟؟ ولكن في النهاية .. أنت تعلم .. لا يصحّ إلا الصحيح …فابك كما تريد .. واكذب كما تريد وخبّئ أسرارك ومحتويات جيبك كما تريد .. فلن يكون هناك من تنتظره أن يطرح عليك أي سؤال.
التصنيف: