[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

يقول الحق تبارك وتعالى «.. وكذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»، فالوسطية إذن هي سمة أمتنا العظيمة، وبها تتميز بين سائر الأمم. وهكذا يكون الاعتدال أمرًا مهمًا ومطلوبًا في حياتنا، بمختلف مراحلها وصورها من مواقف وآراء ومناهج، حيث العقل هو سيد الموقف، والحكمة هي الضوء الذي يستدل به، ليقف المرء بعيدًا عن التشدد والانحلال، ويهتدي بموقف أخلاقي وسلوكي، يرشده إلى الموازنة والاستقامة في الرأي.
ويبقى الحوار مهماً في تأسيس كيان أي مجتمع متلاحم متضامن، وقد أكد ذلك القرآن الكريم في أكثر من موقع في آياته، والأمم العظيمة هي التي تؤمن بالتسامح والحوار وبناء جسور التواصل مع الشعوب والمجتمعات الإنسانية، وإيمانًا بذلك جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – في مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي الذي انعقد في مكة المكرمة في شهر رمضان من العام الماضي بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره بالرياض، حيث يهدف المركز إلى فتح صفحة مضيئة للحوار بين المذاهب الإسلامية والتقريب بين وجهات النظر العديدة، والعمل على إزالة ما أصاب أمتنا الإسلامية من صراعات وتفكك بسبب الفرقة والاختلاف ورفض الحوار، وكذلك أيضًا إنشائه – أيده الله – مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا، ويهدف إلى مد جسور التواصل بين أتباع الأديان ونشر القيم الإنسانية وتفعيل الحوار واحترام الاختلاف بين الثقافات المتعددة، إضافة إلى السعي لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لكافة شعوب العالم وتعزيز ثقافة التعايش بينهم.
فالاعتدال إذن ليس كلمة تردد، إنما هو منهج عظيم يمتاز بالتسامح والتيسير والتحاور مع الآخر.. منهج يحكم شؤوننا الدينية والدنيوية، ويهدف بشموليته إلى الخير والنماء، ويحقق المصالح العامة، ولذا من الواجب أن نقتدي بهكذا توجه، فنجعل العدل والاعتدال منهجًا لنا، وأن نؤمن بضرورة الالتزام بالاعتدال والوسطية في أمور حياتنا، بعيداً عن الغلو والتفريط، وأن نسعى إلى تفعيل هذا المفهوم المثمر داخل مجتمعنا وعلى مستويات مختلفة، وبالأخص داخل منازلنا ومع أبنائنا فالحوار بين الآباء والأبناء من أهم وسائل التواصل التي تحقق نتائج نفسية وتربوية، والابن.. بلا شك.. يريد صديقاً يتفهم مشاعره ويستمع له باهتمام، ولذا فالتقارب بين أفراد الأسرة في الفهم والحوار هو أحد الوسائل الفاعلة لتعزيز جسور التواصل بينهم وأن يدخل الآباء إلى عقول أبنائهم، وهذا بالفعل ما نحتاجه اليوم في ظل عالم يتشكل يوميًا بوقائع متعددة، ومفاهيم متغيرة.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *