الحماية القانونية للمستهلك
اخترت هذا الموضوع الذي يتناول موضوعا من أهم الموضوعات في عصرنا الحالي والخاص ” بحماية المستهلك” لأن الاقتصاد السعودي حاليا يمر بمرحلة من التغيرات التي تعمل على إرساء دعائم اقتصاد السوق الذي يقوم على تشجيع القطاع الخاص بنشاطاته المختلفة ومنها الاستيراد. فتحرير وتشجيع الاستيراد في المملكة لا يمكن القبول به عن طريق ترك”حمى الاستيراد” دون تطبيق نظريه “الداء والدواء”.
لذلك فإنني أرى أن هذا الموضوع يستحوذ ويشغل فكر ووجدان كل مستهلك..ومن خلال معايشتى للأسواق – لأنني مستهلك أيضا – تولدت عندي قناعة بأهمية حماية المستهلك.ولذا فان السؤال هو: هل هناك مجال لحماية المستهلك في ظل سياسة تحرير التجارة؟ وهل آليات العولمة الاقتصادية تسمح بوجود هذه الحماية؟ ان مرور هذه التساؤلات وما تفرضه العولمة من تراجع دور الدول في المجال الاقتصادي , ولا مجال لتدخل الدولة لحماية أحد الأطراف- حتى لو كان ضعيفا للمستهلك وذلك نزولا على القاعدة التى تؤمن بأن “العقد شريعة المتعاقدين”.
لكن بعد انضمام المملكة لمنظمه التجارة العلمية (WTO) أصبح السؤال الرئيسي الذي يجب أن تتواصل حوله الحوارات هو..ماذا نحن فاعلون لمواجهة الآثار السلبية للجات والاستفادة من الآثار الإيجابية لها ؟ .
لكن هناك أيضا ظواهر اقتصادية فى الشارع الاقتصادى الذى يرى بعض المراقبين أنها ظواهر غريبة في الساحة الدولية يتعذر فهم سلبياتها ودلالاتها, فنجد مثلا أن الصين تصدر للعالم سلعا مغشوشة ومخالفة للمواصفات ومعايير الجودة الي وضعتها اتفاقيات الجات .
غير أن الفهم الحقيقى لظاهرة العولمة يبدو مغلوطا فهي تعمل على تلافي مساوئ الاهمال المطلق لمبادئ السوق. ان قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح للدولة ممارسة هذا الدور لحماية المستهلك باعتباره طرفا ضعيفا حيث تحتفظ الدول بالحق في اتخاذ الاجراءات التنفيذية التي تعمل على منع استيراد السلع التى لاتتوفر فيها المقومات الصحية ومعايير الجودة التي تضعها الدولة (المادة 20 من التفاقية التجارة العالمية ) .
وواضح من جهود الجمارك السعودية بفروعها (البحرية والجوية والبرية) القيام بتنفيذ سياسة حماية المستهلك السعودي,أولا عن طريق مكافحة السلع والبضائع المهربة ومحاولة ادخالها للسوق السعودي وكذلك تمشياً مع قرار الجمعية العامه لللأمم المتحدة رقم (284) الصادر في ابريل عام (1985) والقاضي بحماية المستهلك من ظاهرة السلع التي لا تتوافر فيها معايير الجودة الشاملة والتي تعتبر غير صالحه للاستهلاك الآدمي .
وفى ضوء القرار الأممي السابق فإنه نص على أن للمستهلك حقوقاً عدة منها:
حقه في الحصول على سلع ومنتجات تتوافر فيها معايير السلامة الصحية, وحقه في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تلحق به نتيجة المساوئ التي تترتب علي السلعة أو الخدمة التي تلحق به.
إذن ماهو المطلوب الآن ؟ المطلوب هو أن يصل المستوردون الى سن الرشد الاقتصادي حتى لا تضيع حقوق المتسهلك,وحتى لا يصل المجتمع الى حالة التوهان . ان الثقة واجبة بل ومفروضة عليهم في الاجراءات الجمركية وتقاريرها المرتبطة بالأمور المصيرية فى القبول والمنع بحكم ان عدم الثقة يتسبب فى النهاية الى اضرار المستهلك الذي حماه قرار الجمعية العامة رقم (284) السابق , وبذلك أصبحت الجمارك في بلادنا خط الدفاع الأول لحماية المستهلك.
ولكى يكون لحماية المستهلك دور فعال فانه يمكن تحقيقها من خلال ثلاثة محاول متشابكه وهى الفحص والوقائية والعلاج ..ويتضمن الفحص دراسه قوى السوق من خلال الأداء اليومى والمشاركة الواقعية والملاحظة,وتحليل اتجاهات الاستهلاك ,واكتشاف التقلبات وتحديد الأزمات ومسبباتها .
أما الناحية الوقائية فتتم بعد فحص وتبين المشاكل وغالبا ما تحدث من خلال البيع والتصنيف والاعلان لمواجهة الممارسات غير الشرعية أو العناصر التي تتخطى مفاهيم المنافسة.
بعد ذلك تأتي الناحية العلاجية والتي تتحقق بفعل تنمية الضمير المجتمعي والضغط الحكومي لتفعيل الأدوات والسياسات الرقابية أو إصدار اللوائح والنظيمات اللازمة , أو علاج الأزمة الاستهلاكية.
فى اطار تلك المحاور نرى أن المنهج الاسلامى ينص على مراعاة التخصص الدقيق حيث يقول المصطفى (ص):اذا ضيعت الأمانه فانتظر الساعة, قيل وما أضاعها يا رسول الله ,قال: اذا اسند الأمر لغير أهله”.
خلاصة القول إن حماية المستهلك تؤكد بشكل كبير حماية طرفي المعاملة التجارية وهو ما أكده الاسلام بضرورة توفير مواصفات الجودة ووصول السلع والخدمات الى المستهلك النهائي سليمة وخالية من أي تلاعب يؤدى الى الغش وورود هذا المنتج واضحا وسليما عملا بما جاء في الحديث النبوي الشريف ” من غشنا فليس منا”.
والحديث عن الغش هنا ينطبق على جميع مراحل النشاط الاقتصادي فيتم المنع من الغش في سعر السلعة, أو اخفاء عيوب معينة بها أو بيع أية سلعه مخالفة لمواصفات الجودة, أو انتهاء صلاحيتها….وهذا يرسم خريطة الطريق لحماية المستهلك أولا.
التصنيف: