الحلول الإبداعية لمشكلات التعليم

Avatar

[COLOR=blue]مصطفى فؤاد عبيد[/COLOR]

بالرغم من أن مهنة التدريس كانت في العقود السابقة تُعد من المهن الحيوية الشيقة وفيها الكثير من التجديد والتفاعل، الناتج عن تعامل المدرس المثقف مع طلاب من مختلف المستويات الفكرية والثقافية وإدارة التنافس فيما بينهم، مقارنة بغيرها من الوظائف، إلاّ أنها أضحت في هذا العصر المهنة الأكثر رتابة في كثير من الدول. وبعد أن كان المدرّس يُعتبر أحد أهم مقومات المجتمع والمطلِع على فكر وقدرات الأجيال اللاحقة ومفتاح اكتشافها وتطويرها وصقلها وإعدادها للمستقبل، بل ويرى فيه الطالب هذه المواصفات بالفعل ويتأثر به ويعتبره نافذته على العالم الشيق، أصبح في عصرنا هذا هو الشخص الروتيني الوحيد والأبعد ما يكون عن فكر وتطلعات الطالب، وامتد هذا الأمر ليشمل نظرته للبيئة التعليمية ككل بشكل تراكمي.
والتغيير الجذري الذي طرأ على معادلة \”المعلم الملهم والتلميذ المنبهر\” يعزى لعدة مسببات من أهمها ما يتعلق بتطورات العصر الحديث والعولمة وما أفرزته من تغيرات كبرى على صعيد الحياة اليومية لطرفي المعادلة، ففي الوقت الذي أثر هذا التطور على الأسرة والمجتمع بشكل عام وطال الطلاب تحديداً وأساليبهم وأدواتهم المعرفية بحكم أنهم الجيل الناشئ والأكثر تأثراً بهذا العصر وأدواته المختلفة كالفضائيات والإنترنت والألعاب الإليكترونية وما تحمله من إثارة وتشويق استهلاكي، إلاّ أنها أثرت بشكل عكسي تماماً على المدرّس وجعلته يبدو بعيداً عن كل ذلك بعد أن تدفق وتكدّس في هذه المهنة معظم الأشخاص الذين يميلون بطبعهم للاستقرار ويحبذون الرتابة والروتين في العمل والابتعاد عن الإثارة والمغامرة أكثر من حبهم لتلك المهنة أحياناً وما تحمله من تحديات ومبادئ تتخطى حدود الوظيفة، مهما كانت طباعهم جميلة وقدراتهم متميزة!
وإذا كنا بصدد إيجاد الحلول \”الوسط\” لتلك المُعضلة تحديداً، والتي أرهقت جميع الأطراف، سواء في المنزل أو المدرسة والجامعة، فيكون من الواجب أن نفكر في حلول تُصحح المعادلة وتُعيد بناء البيئة التعليمية لتُصبح مكاناً متميزاً مليء بالإثارة والتشويق الذي يصاحبه متعة في كل من التعليم والتعلم وتطوير قدرات كل من فيها، وذلك من خلال استخدام المزيد من الوسائل التعليمية الترفيهية وتخطيط وتنظيم الأنشطة اللامنهجية والمنافسات الدورية والمسابقات \”العَلنية\” وحتى المتلفزة والمتنوعة للطلاب والمدرسين وبمشاركة مجتمعية واسعة، وصولاً لتطوير وتجديد الفكر التعليمي برمته وجعل بيئة المؤسسة التعليمية المكان الأمثل للتعليم والتعلم التنافسي التفاعلي الترفيهي الذي يتخطى حدود الكتب والمناهج إلى استفزاز واستكشاف القدرات بكافة اشكالها العلمية والفنية والرياضية والثقافية وفق خطط إستراتيجية منظمة عالية المستوى ولجميع المراحل التعليمية.
يبقى أننا نأمل أن يحدث ذلك قبل أن تزداد الفجوة بين كل ما تحتويه المدارس والجامعات من أنشطة تعليمية \”جافة\” وروتين مُسبب للملل والكسل الفكري حتى وإن كان مثالياً، وبين ما تعج به الفضائيات من برامج ترفيهية تنافسية تزداد انتشاراً والتي أثبتت نجاحها وأظهرت العديد من المواهب المغمورة التي كان من باب أولى أن تكتشفها وتكافئها وتعلن عنها المدارس والجامعات التي ينتمون لها أصحابها من الطلاب في مسابقات متخصصة تكون وسيلتهم لإظهارها وطريق شهرتهم التي قد يضحون بكل شيء من أجلها، حتى وإن كان التعليم نفسه، الأمر الذي يتطلب تغيير الفكر التعليمي والبنية التعليمية قبل فوات الأوان والعمل على جعل المؤسسة التعليمية مكاناً لكل من التعلم والتنافس الممزوج بالترفيه والانطلاق نحو الشهرة من خلال منافسات موثّقة أكاديمياً وتقييم دوري واستمرارية توفرها المؤسسة التعليمية والتي ستختلف أهدافها بطبيعة الحال عن الأسلوب الاستهلاكي ذو الأهداف الاستثمارية الربحية الموسمية.
وإذا صح لنا الاعتقاد بأننا يمكن أن نذهب لما هو أبعد من ذلك، كأن نطمح بأن تنظم المؤسسات التعليمية مثل تلك المسابقات بطريقة إستثمارية أيضاً وبالشكل الذي يناسب، ويتناسب مع، مستوى المؤسسة فسوف نتوقع لها أن تحقق من إحداها على الأقل أرباحاً قد تفوق الميزانية السنوية لها ولعدة سنوات بخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحاجة الملحة لمثل تلك الأفكار، ناهيك عن ما ستحققه من اكتشافات للقدرات والمواهب الحقيقية لدى المشاركين وتقييمها بشكل مُنصف ومتابعة تطويرها دورياً، وما المانع أن نطمح بذلك إذا علمنا أن معظم برامج المسابقات في الفضائيات تبدأ مع بدء العام الدراسي وتنتهي بانتهائه، وكأنها تُعلن بشكل واضح لا يقبل الشك أنها تُبدع في التسويق واستثمار البيئة المدرسية والجامعية وتواصل الطلاب فيها أكثر من استثمار أي شيء آخر!!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *