الحقيقة أولى ضحايا الحرب

Avatar

سلوى عبدالتواب

بادرتني هذه المقولة للسيناتور الأمريكي هيرام ورين (1918) أثناء قراءتي لما أوردته صفحات موقع ويكيبيديا عن \”الحرب الأهلية الليبية 2011\”.
مقارنة سريعة في ذهني مع صفحات مشابهة على الموقع للثورات العربية الأخرى، جعلتني أفكر في ماذا سيتعلم أطفال وشباب المستقبل في كتب التاريخ عن أحداثنا المعاصرة.. وبأي نهج ستدرس لهم هذه الأحداث؟
هل سترد لهم المعلومات كمسلمات يجب تصديقها دونما جدل؟ أم ستتاح لهم فرصة البحث والفحص وتدقيق المعلومات التي تدرس لهم؟ وأي المراجع ستتاح لهم لإتمام هذا الفحص؟ وأي أجواء ومعتقدات ستفرض عليهم سياق تفسير هذه المعلومات؟
حتى خمسين عاما مضت..كان من يسمح بتدخل أجنبي في بلاده، يعتبر خائنا .. وكان من يكتشف أن مصدر تمويله جهة أجنبية، ويقدم لها تقارير، يعتبر جاسوسا .. وكان الوطنيون من أمثال مصطفى كامل ينشرون في الخارج مقالات عن جرائم الاستعمار دون أن يتقاضوا عن ذلك أجرا، بينما كانت لهم صحف في الداخل ينتقدون فيها المجتمع والحكومة .. وكان استغلال دولة للموارد البشرية أو الطبيعية لدولة أخرى، يعتبر نوعا من الاستعمار والسخرة .. وكانت المجتمعات على قربها لها طبائع متفاوتة وثقافات متباينة، فلم تقلل الحضارة المصرية من الصينية، ولم تمح الأخيرة الحضارة الهندية .. وكان تجاهل الثقافة المحلية لحساب ثقافة أجنبية نوعا من العصيان المدني والخروج على المجتمع.. وكان تعلم اللغة للفهم وليس من باب المفاضلة ..وكانت الصحافة خدمة إجتماعية، والرقابة صنعة حكومية ..وكان الأدب مهنة الفيلسوف، كما كان صاحب كل قلم هو مسؤول .. وكان الدين لله والوطن للجميع، ومن يحكم لا يملك.
منظمات دولية وشركات عالمية وتكتلات عابرة للقارات .. مصالح متداخلة .. ورأس المال هو الذي يحكم ويقرر ويسن ويشرع في البلاد، على اختلاف حكوماتها. وليس أدل على ذلك، من تسبب أزمة جنرال موتورز الأمريكية العام الماضي في إقفال عشرين مصنعا لشركات أخرى حول العالم. وكذلك المطالب التي تفرضها الدول الثمان الكبرى على مديونيها، تحت عناوين توسيع دور \”المجتمع المدني\” على الساحة السياسية، ودعم الجمعيات الأوروبية والأميركية ذات الأصول العربية التي تعمل على تقريب الشعوب والأديان والمعتقدات والمذاهب، وخصوصا تلك التي تعمل في مجال الإعلام الأجنبي، وإيجاد آليات لفرض \”الرقابة الشعبية\”، وضرورة تأسيس النقابات العمالية في القطاع العام والخاص، وفرض المعايير الدولية، وعقد اتفاقات توئمة بين نقابات مختلف الدول، لتلقي الدعم المالي أو الفني.
العولمة بهذه المعايير العابرة للحدود والحاكمة للحكومات، تفرض مصطلحات ومفاهيم جديدة، مثل \”المواطنة العالمية\” مواطن يعمل في ظل شبكة عالمية وبالتالي له حقوق عالمية .. ومن خلال ممثليه في هذه الشبكة (المنظمات المدنية أو النقابات) يستطيع تقديم شكوى ضد حكومته أو جيشه ومقاضاتهم، وبالتالي من حق \”المجتمع الدولي\” أن يتدخل بالطريقة التي يراها مناسبة. وحتى دون دعوى أو شكوى، يكفي أن يقرر \”المجتمع الدولي\” ان هناك ممارسات تنتهك حقوق \”الإنسان الذي ينتمي إليها\” لتذود عنه بالطريقة التي تقيمها.
من هنا درج مصطلح آخر، هو \”عضوية المجتمع الدولي\” .. فرغم الحرية التي تكفلها المواثيق المكونة للدستور العالمي (القانون الدولي)، إلا أن الانتماء للمجتمع الدولي له شروط، يجب التقيد بها، وإلا علقت العضوية (العقوبات الدولية) أو سحبت تماما (التدخل العسكري والمحاكمات الدولية).
ويأتي دور الإعلام هنا لتوصيل هذه المفاهيم إلى \”المواطن العالمي\”، وتسهيل انتقاله إلى \”النظام العالمي الجديد\” وما يتطلبه ذلك من دمج للثقافات لإيجاد تربة موحدة لزرع القيم المتسقة مع هذا النظام. لذا إذا نظرنا إلى الخارطة الإعلامية نجدها مقسمة بين حكومات ورجال أعمال .. وقد نجد شركات إعلامية كبيرة على اختلاف توجهاتها، مالكها واحد، يحتكر القسم الأكبر من \”سوق الدعاية والإعلام\” في عدد من الدول (مثال روبرت ميردوخ)، وهي الشركات الصانعة للخبر في المجال الإعلامي، والأقرب إلى دوائر صنع القرار. ويعتمد معظم السوق الإعلامي على ما تورده هذه الوكالات والتلفزيونات من أنباء وصور ثابتة ومتلفزة وتحاليل إخبارية.
في عام 1952 دعم الشعب المصري حركة الضباط الأحرار، ووجد فيها \”ثورة\” وفي رموزها ـ أبطالا. وها نحن الان نرى في أحداث يوليو 1952 إنقلابا عسكريا، وفي ضباطها ـ طغاة، وبعضنا يوثق أن الحياة السياسية إبان الملك كانت ديمقراطية وحرة. وكنا نفاخر بأن الثورة الأخيرة سلمية لم تشبها قطرة دم .. فإذا بالبعض اليوم يرون في ذلك استكانة للظلم . فبأي منظور سيرى شباب الغد أحداث اليوم؟ وكيف ستوثق وممن؟ وهل سيضمن تنوع مصدر المعلومة صحتها؟ وما القيم التي تنقلها هذه المعلومة إليهم؟

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *