[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]راشد خليفة المزروعي[/COLOR][/ALIGN]

ينقسم الناس في ظاهرهم إلى قسمين: – قسم تتقدمه شخصيته. – و قسم يتقدم شخصيته.
الذين تتقدمهم شخصيتهم: هم مَن يظهرون ما خفي عن أعين الناس من خصالهم و أطباعهم، و لم يخفوا حقيقة شخصيتهم خوفاً من بروز عيوبهم، فكانت لديهم الشجاعة الكافية لإظهار ما يخفيه قلبهم، و ما يتبناه من معتقدات عقلهم، ولم يتركوا شيئاً للخفاء، فأمرهم كله علانيةً، إلا ما يحتسبون من الله أجره .
و سبب شجاعتهم ليست جرأتهم، و إنما حسن بنائهم لأنفسهم، و حفظهم لقلوبهم من المفاسد، و لسانهم من الزلل، و أفعالهم من العلل، و طريقهم من العوج، فلا يرون في أفعالهم ما يستحق خفاءَه، فإذا تحدثوا تحدثوا بالصدق، و إذا أخطأوا تواضعوا للحق، و إن وعظوا أخذوا بالوعظ، و إن احتاروا طلبوا الرأي .
فبدأوا بأنفسهم، و أصلحوا شأنهم، و أخلصوا حتى لا تكون أفعالهم للمديح و الثناء عليهم، و عرفوا الخصال الحميدة، و أيقنوا بلباسها النظيفة، و إن السعي فيها مشكور، فسلكوا طريق حصدها، و صبروا عن الهوى، و ساروا عكس رياحها .
و كما يعلم جميعنا، إن الإنسان لا يخلو من العيوب، ولا العلل، ولكن الفرق هو أن هناك من يجاهد نفسه لسد الثغرات، و الحذر من المزلات، و نفض عن ملابسه الملوثات، حتى يطهر ثوبه، فمثل هؤلاء لا يخافون ولا يختبئون خلف الأقنعة الوهمية، لأن التخفي لمن قلة محاسنه .
\” و كلما قلة العيوب ازدادت الثقة \”فالثقة تأتي من قلة العيوب، و تقل العيوب بالسير في الطرق السليمة، و الإعراض عن الطرق التي بالمغريات تزينت، و بالأصوات الصاخبة و الضحكات تعالت، و التي لا يدخلها إلا من غلبت عليه نفسه و رضا بالدون .
و في الجهة المقابلة، قسم من الناس يتقدمون شخصيتهم، لإخفاء ضعفها و سوئها عن بعض فئات المجتمع، فيوهمون من أرادوا إيهامهم بحسن أخلاقهم، و صفاء قلوبهم، و طهارة أنفسهم، و سلامة ألسنتهم، فإذا التقوا بأصدقائهم أو خلوا بأنفسهم زالت هذه الفضائل، مثلهم مثل الذي لديه مساحة من الأرض، فبنى حولها سوراً جميلاً و جذاباً، و ترك الأرض خالية، ليوهم الناس بسوره الجذاب، بأن ما خلف السور أجمل و أعظم، فمن فعل ذلك فهو بلا شك أحمق، لأنهُ حرص على المظهر و ثناء الناس، و ترك الأرض التي ينتفع بها خالية .
فالإنسان عليه تربية نفسه، و بناء الأساس قبل الجدران و السقف، و أن يتحلى بالأخلاق الحسنة لإرضاء الله و ذاته، و ليس ليُقال عنه، و أن لا تكون فقط أمام أُناس معينيين للمصلحة أو لغايات دنيوية، و يجب أن تكون هذه التربية تربية داخلية قلبية، فإذا القلب تربى، فالجسد تأدب .
\”و الشخصية الحقيقية هي من تكون بنسبة كبيرة في علانيتها كما هي في خلواتها .\”

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *