الحج والعمرة ،،، من الصناعات الاقتصادية الواعدة

• د. هاشم بن عبدالله النمر

ونحن على أبواب استقبال شهر الخير والرحمات شهر ذي الحجة، فإنه من الضروري أن نعكس الأهمية الكبيرة الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة من قدوم هذا الضيف الغالي على نفوس أبناء هذا الوطن المعطاء. فلقد حرصت حكومتنا الرشيدة منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود رحمه الله وأبنائه من بعده على تمكين المسلمين من أداء فريضة الحج والعمرة بيسر وسهولة.

فتكلفت الدولة مليارات الدولارات لتذليل الصعاب وإقامة المشاريع الحيوية لخدمة ضيوف الرحمن، فكانت توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، إنشاء المجازر الآلية الحديثة، الخدمات الطبية المتميزة لرعاية الحاج والمعتمر وإيجاد بيئة صحية خالية من الامراض، وما تقوم به وزارة الحج والعمرة من جهود في التنسيق مع كافة الجهات المعنية لتيسير أداء الحجاج والمعتمرين لهو خير دليل على الجهود الكبيرة لدولتنا حفظها الله في بذل الغالي والنفيس لخدمة ضيوف الرحمن. وأما من الناحية الاقتصادية فأتمنى أن ينظر لموسم الحج والعمرة كصناعة اقتصادية واعدة. وكلمة صناعة هنا تطلق على أي نشاط اقتصادي يهدف إلى استثمار الثروات المتوفرة وتحويلها إلى منتج أو خدمة ذات ربح وفير.

وبالفعل فإن موسم الحج والعمرة يجب أن ينظر إليه بجانب كونه خدمة جليلة لنيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى إلى كونه صناعة اقتصادية واعدة ولكنها للأسف غير مستغلة الاستغلال الأمثل. فصناعة الحج والعمرة تعتبر من الركائز الهامة التي يجب أن يعتمد عليها في تنوع مصادر الدخل. نتمنى أن يتم النظر إلى موسم الحج والعمرة كمصدر انتعاش اقتصادي لمختلف القطاعات التجارية والخدمية وعلى أنه مصدر لضخ أموال جديدة إلى البلد وبالتالي خلق معادله للتوازن مع كمية الأموال التي تحول خارج المملكة، كتحويل أموال العمالة للخارج وغيرها. وفي ظل سعي قطاعات الدولة للتوافق مع رؤية المملكة 2030, فإن موسم الحج والعمرة يعتبر مصدر اقتصادي قوي ينافس النفط, حيث تهدف الرؤية إلى التمكن من خدمة 30 مليون حاج ومعتمر لتصل عائداتهم الاقتصادية المتوقعة إلى أكثر من 50 مليار ريال سنوياً, وبالتالي المساهمة الفعالة في رفع الناتج المحلي.

ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تكون هناك بنية تحتية قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من البشر في مكان ووقت واحد. فعلى سبيل المثال من الضروري توفر وسائل المواصلات المريحة وبأعداد كافية لتنقل ملايين الزوار بين مختلف المشاعر المقدسة بيسر وسهولة دون وجود تتدافع أو تزاحم، ومن الضروري أيضا توفر المسكن المناسب القريب من مختلف المشاعر المقدسة وبسعر يتناسب مع جميع فئات زوار بيت الله الحرام، وفرة المطاعم وقربها من سكن الزوار من العوامل الهامة التي يجب أن تتوفر في البنية التحتية الجاذبة. والجدير ذكره أن ما يميز صناعة الحج والعمرة هو تقاطعها مع أكثر القطاعات التجارية والخدمية. فصناعة الحج والعمرة على سبيل المثال تتقاطع مع صناعة السياحة وصناعة التعليم والاجتماعات والتجارة وغيرها من الصناعات الاقتصادية.

فلا يوجد مسلم يهبط إلى بلاد الحرمين سواء لغرض التجارة أو التعليم أو أي غرض آخر إلا وقد خطط لأداء العمرة وزيارة الحرمين الشريفين، والعكس صحيح فلا يوجد مسلم ينوي أداء الحج أو العمرة إلا ويفكر بزيارة المعالم السياحة في المملكة والتسوق أو عقد الصفقات التجارية على هامش زيارته الدينية. لذا فإنه من الضروري حصر جميع القطاعات التجارية والخدمية التي من الممكن ربطها بموسم الحج والعمرة وإيجاد العوامل المشتركة بينهما لخلق فرص تجارية اقتصادية تسهم في التوافق مع رؤية المملكة 2030 لإيجاد مصدر دخل آخر بعيدا عن النفط. فقطاع السياحة على سبيل المثال وبمختلف مجالاته يحتوي على نقاط قوة تعزز تقاطعه مع الحج والعمرة.

فهناك الضيافة الفندقية والتسوق والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه والآثار والمنتجعات البحرية وسياحة الصحاري، حيث تعتبر من الأولويات التي يجب النظر إليها لتقاطعها الفعال مع صناعة الحج والعمرة. ومن الضروري الآن وبعد تحديد نقاط القوة لكل قطاع يتقاطع مع صناعة الحج والعمرة، إيجاد العوامل التي تساعد على تعزيز نقاط القوة.

فمثلا نتمنى من سفاراتنا في الخارج بذل جهد مضاعف في التسويق الممتاز لسياحة مملكتنا الحبيبة وبالذات عند إصدار تأشيرة الحاج والمعتمر فلدينا جميع المقومات الضرورية لخلق بيئة شاملة متكاملة للحاج والمعتمر بان يقضي إجازة دينية وترفيهية سياحية محافظة لكافة أفراد الأسرة على ارض واحدة “ارض الحرمين الشريفين”, ومن الضروري التهيئة النفسية للمواطنين بأن صناعة الحج والعمرة من الصناعات الواعدة ويجب تكاتف الجهود لتقديم العون لزوار بيت الحرام في مختلف مناطق المملكة في حال انتقالهم من مدينة إلى أخرى بغرض السياحة وعلى أن يتم استقبالهم بوجه بشوش والوعي بأن صناعة الحج والعمرة من أهم مرتكزات رؤية 2030.

أخيرا فإن الحج والعمرة هي مواسم خير وعطاء للجميع، فهي تخلق فرص وظيفية ودخل مبارك لأبناء هذا الوطن عند خدمتهم للزوار، فهناك العديد من الفرص الريادية والتي من الممكن اقتناصها في مواسم الحج والعمرة، فقد يكون موسم الحج أو العمرة بداية لبناء رائد أعمال بدأ طريقه من خلال صناعة الحج والعمرة.
@Dr_AlNemerH

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *