الحب .. القوت المفقود

ما قيمة المدن إن كانت خالية من الناس الذين يصنعون الخير ؟ وما قيمة الطرق التي لا يسلكها العابرون بالخير ؟ وما قيمة البيت الذي لا يسكنه الخير ؟ وما قيمة الإنسان إن كان خالياً من الخير ؟
الحياة ليست أبنية أو طرقات أو بيوت أو سيارات .. والحياة ليست بشراً يعيشون مع بشر .. هي ليست مجرد أنا وأنت وهو ، وهي ليست مجرد المجتمع ، وهي ليست مجرد العلاقات فيما بين بعض هذا المجتمع وبعضه الآخر . الحياة هي التفاصيل الصغيرة التي تقتات عليها المعاني الكبيرة .. هي تلك الوحدات البنائية التي تتركب منها مشاعرنا النبيلة ، وهي تلك الوظائف الصغيرة التي تتماهى مع بعضها لصنع وظيفة الخير الكبرى بين الناس أو مع الحيوانات أو حتى لأجل المجهول ، الحياة صناعة الخير لذاته ومن أجله والذي لا يتأتى إلا من خلال تهيئة كل قلوبنا لأسباب تحقق وانطلاق تلك الصناعة العظيمة .. صناعة الخير المقدسة التي يحثنا عليها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقول ” إذا فاتك الخير فأدركه .. وإذا أدركك فاسبقه ” ، ولعل من أسباب إدراك الخير ومسابقته الحب .. بل أراه في طليعة كل أسباب الخير .. وأقصد به الحب الإنساني الشمولي الذي يجعل الإنسان يتجلى في كل إنسان كما يقول المفكر اللبناني كمال جنبلاط ، فبالحب نرى أنفسنا بذات الطريقة التي نرى فيها غيرنا .. وبالحب نرى غيرنا بالقدر الذي نرى فيه أنفسنا . ” فحيث يوجد الحب توجد الحياة ” كما وصفت أنديرا غاندي ، ففي تربته تنمو بساتين الصداقة .. ومن موارده تتفجر ينابيع الوفاء .. ومن غيومه تستمطر كل المعاني النبيلة ، فالحروب لا تقتات على الحب .. والخيانة لا تقتات على الحب .. والطمع لا يقتات على الحب ،. والتعصب لا يقتات على الحب ولا الطائفية ولا الفساد ولا الغرور .. ولا سائر أنواع الشرور ، فالحب قوت لشيء واحد فقط وهو الخير .. متى ما حل في مجتمع حلت معه شمائله . يتجلى ذلك في أخلاق الناس .. في مدنهم .. في أسواقهم وطرقاتهم .. في بيوتهم ومع جيرانهم .. حتى مع بساتينهم وماشيتهم ، ولا مرية في ذلك ..” فالحب – كما يقول روبرت بروانينغ – وقود الحياة” .
[email protected]
twitter: @ad_alshihri
التصنيف: