[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد العزبي[/COLOR][/ALIGN]

قرأت إعلانا في الصحف أثار فضولي لدقائق. ثم تحول شعوري إلى قلق شديد ممن يقعون في غواية التلصص على الآخرين وأقرب الناس إليك. \”يمكنك الاستماع إلى ما يدور في بيتك أو مكتبك أو أي مكان تبغيه أينما تكون\”. الجهاز الأسود يسمونه \”السحري\” يكشف كل الأسرار حتي الهمسات. لا يكلفك سوي شريحة موبايل توضع في الجهاز الذي لا تتجاوز مساحته علبة كبريت صغيرة \”مشط\”.. وما عليك إلا أن تطلب رقم الهاتف المثبت فيه حتي ينقل لك كل ما دار في المكان بوضوح. إغراء شديد أن تطلع على ما يدور في غيابك. حتي ولو لم تكن تنتابك الشكوك. فحب الاستطلاع غريزة إنسانية لا يستطيع أن يوقفها صاحبها.
صعب أن يتعطل الجهاز فيحمي الجميع من بلاويه. فهو يشحن مرة واحدة كل شهر. وتوجد به خلايا تشحن نفسها بنفسها بالطاقة الشمسية أو بضوء المصابيح الكهربائية. هكذا ينتشر جهاز التجسس الذي يخرب البيوت. فكل واحد حر في بيته. خصوصا عندما يجد نفسه وحيدا يقول ما يشاء ويتحدث في التليفون لمن يريد. ويستخدم ألفاظا لم ترد علي لسانه من قبل. ويحكي اسرارا يخجل من روايتها علنا وأمام أقرب المقربين إليه. هذا إذا كان وحيدا ولم يكن في ضيافته أو علي الاصح ضيافتها جار سوء. فالهدف من استخدامه هو التأكد من الوفاء والاخلاص. ما دام الشك يمتلك الإنسان لأهون الأسباب. يا سلام لو أن السعادة تملأ قلب الإنسان بالثقة فيمن حوله. ويا ويله من يكتشف أنه مخدوع أو يسمع رأي الآخرين الحقيقي فيه.
يقولون إنه جهاز للتجسس علي البيوت أساسا.. وأيضا علي المكاتب. حيث يريد صاحبه أن يعرف كل كبيرة وصغيرة تدور من حوله. خصوصا في مكتب سكرتيرته المفضلة. المثل الذي يقول بأن السلطان يشتم في غيابه صحيح.. ولو أنك سألت من ينتقد باسلوب جارح أو حتي كلمات نابية فسوف يكون أول المستنكرين لأنه لم يقصد. وإنما هي البجحة المغرية.
يخسر الإنسان أقرب الناس إليه. ويخسر نفسه. لو أنه عرف أكثر مما يجب.
قد ينتشر الجهاز الأسود السحري. ولكنه سوف يفقد قيمته سريعا. بعدما يتحقق من خراب البيوت والنفوس.. ربما كان لعبة عابرة أو حركة مسلية تصلح للسمر والضحك وبعض الاغاظة. ولكن ان تقوم الحياة علي معرفة أسرار الآخرين وآرائهم الخفية فذلك هو العذاب بعينه يكفينا الله شره.. وفي مثل تلك الحالات يصبح الجهل فعلا نوراً.
عن الجمهورية المصرية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *