بخيت طالع الزهراني

** منذ أن عرفت جدة وهي (تغرق – في شبر موية) ولذلك ليس غريباً أن تصاب بالشلل مع كل سحابة مطر صغيرة، اما اذا زاد معدل المطر فإنها تذوب وسط الكارثة، الغريب حقاً هو ان القائمين عليها من السابقين واللاحقين، لا توحي فترات عملهم فيها بأن لدى احدهم (مشروعاً) والمشروع الذي أقصده ليس خرسانة او قطعة اسفلت او بضع شجرات يسمونها حديقة، وانما (مشروعاً فكرياً تنموياً) حقيقياً، مثل كل مشروعات بناء المدن في العالم من حولنا، وكأننا قد رضينا ان نكون حبيسي (حسب التساهيل) وهو الامر الذي جعل حتى العمال البسطاء الذين نقابلهم يومياً (يضحكون علينا).
** قبل أيام قرأت مقالاً في (الحياة) يتحدث فيه كاتبه عن احوال ماليزيا ذلك البلد الاسيوي المدهش، ومع المطر تحديداً، وهو بالمناسبة من البلدان المطيرة، وليست مثل جدة (أم المطرّة الواحدة في السنة) يقول ان ماليزيا التي عمرها 40 عاماً لم يشاهد فيها خلال الامطار ولا مرة واحدة سيارات الشفط او نتوءات او حفريات عميقة نتيجة الامطار.. وأظنه صادقاً فيما قال ولذلك ليتنا نتعلم من ماليزيا فقط، ولا اقول دول العالم الاول كفرنسا وبريطانيا وامريكا.
** الجنرال مطر.. واحد من أبرز العناصر الجريئة التي تكشف حجم العور والفساد لدى بعضنا، ولذلك ومع ما يحيط بنا من \”فوبيا المطر\” الا اننا في بعض الاحيان نرحب بهطوله ليزيد من تعرية بعض اوضاعنا، التي بالغنا كثيرا في تصوير ضخامتها، وانطلقنا من \”الأنا المتضخمة\” حتى صدقنا ارواحنا، ثم لا يلبث الجنرال مطر ان يقول لنا الحقيقة بدون رتوش، وبغير نرجسية وبدون \”الأنا المنفوخة\”.. اشعر الآن كما لو ان الجنرال مطر يحبّنا، ويساهم بصدق في مسيرة التنمية عندنا، بما يعلمنا اياه من أخطاء.
** إذا أردنا حقاً ان (نعدّل) أوضاعنا، وان (نغيّر) احوالنا، فعلينا ان نعترف بمشكلتنا مع انفسنا اولاً، وبالخلل الذي ينخر في داخلنا، والا فإننا لن نفعل شيئا على الاطلاق، فالاعتراف بالمعضلة اول الطريق الصحيح للتعديل الحقيقي، فلندع الاعلام يتحدث على سجيته، ويشارك في مهمته الوطنية الجليلة، ولنقيم الحوارات التي نتصارح فيها، ولنضع النقاط فوق الحروف، ولتتم بحق ووضوح وشفافية محاسبة كل مذنب..
** الوطن أولاً واخيراً هو للجميع، ولا مزايدة امام حبه، فالجميع يحب الوطن، ولا يشغله أكثر من نمائه وازدهاره وامنه، لانه سفينة الجميع وواحة الكل، ومن تكون لديه فسحة او قدرة على النقد الصادق، ثم يسكت، فإنه خائن للوطن، وغادر للارض التي منحته كل شيء.. ولذلك لابد وان نجهز بمطالبة حقيقية \”بتغيير\” اسطوانة \”مشي حالك\”.. وليكن شعارنا المنبثق من حبنا العظيم لديرتنا ان نطالب بأقصى حالات تجويد العمل، وبرقابة صارمة على المشاريع، وتدقيق شديد في قيمة العقود، حتى لا ينفذ مشروع ما بأضعاف قيمته السوقية، ثم تكون الكارثة مزدوجة، مال منهوب، ومشروع مخرور!!
** المواطن اليوم لم يعد (درويشاً) بل صار واعياً، حتى وان كان يعيش في قرية نائية، واصبح يعرف الصحيح والخطأ، لان قنوات الاتصال بالعالم اصبحت اسهل من (شرب الموية).. ويظل المواطن سعيداً عندما يرى المزيد من الجامعات والطرق والمصحات، ولكنه يكتئب عندما يرى بعض المشاريع من نوع (من جنب – القدة).. وعندما يجد ان الاجراءات والتعاملات اليومية تتفاوت بين ادارة واخرى بحسب (البركة) المطروحة في رئيس هذه الدائرة او تلك فقط.. وليس وفق مشروع (مؤسسي) عام كما كان ينبغي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *