الجمل والديناصور
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]مريم الشناصي[/COLOR][/ALIGN]
كنت احتسي فنجان قهوتي في مقهى بقناة القصباء الجميلة، التي تمتِع الناظرين بممراتها المائية وجسور المشاة، وشجيراتها وسلال الزهور من حولها، وعلى جانبها الدولاب الدوار يرتفع ليستكشف الأفق، قناة القصباء تشعرك الاسترخاء، المكان يساعد على التأمل والهدوء، وعندما يمر ذاك النسيم ويداعبك برفق، فإنك تكون قد ملكت الدنيا وغمرتك الفرحة، فتسترخي أكثر، وأنا في لحظات الاستغراق، مر بجانبي طيف زميلة الدراسة الجامعية، والتي عادت بعد أن تقدمت بخطوات لتتأكد من طيفي، عندما تأكدنا من شخصيات بعضنا البعض، وتبادلنا التحيات، دعوتها إلى احتساء فنجان قهوتها معي، لتخبرني ماذا فعلت الأيام بها.
تزوجت وأنجبت، وألحقت أبناءها بمدرسة خاصة، يتعلمون ويتقنون اللغات، فهي تعدهم للمستقبل، وتسهيل حصولهم على وظيفة مرموقة، وبعد صمت دام برهة، أمطرتني بالشكوى من تراجع الهوية، والنفقات الباهظة التي تكاد تفرغ جيوبها وجيوب زوجها، فقد أصبح أبناؤها يتعرفون على العالم، ويجتهدون في تعلم اللغات، وأصبحت اللغة العربية تحتل المرتبة الثانية في حياتهم، فهم يتحدثون في ما بينهم ومع زملائهم بلغة غير العربية، وكلما تعلموا لغة جديدة تقهقر ترتيب اللغة العربية، ناهيك عن متابعة القنوات الأجنبية.
فقد ابتعد أبنائي عن هويتهم، وأصبحت ضعيفة، يعرفون عن الديناصورات وأفلام الخيال العلمي أكثر مما يعرفون عن الواقع المحلي وعن الجمال والخيول العربية، غذاؤهم البرغر، ولم يعودوا يتذوقون الهريس والمجبوس، ولم يعرفوا خبز الخمير والرقاق، متقوقعين أمام شاشات الحاسب الآلي والبلاك بيري والآي باد، لتضمحل الحياة الاجتماعية، وتحل محلها حياة مادية فقيرة بمشاعرها وعطائها، تداركت مع والدهم الأمر متأخراً بعض الشيء، بدأنا نشجع على ارتداء الكندورة والحمدانية، لم نعد نتقاعس عن حضور أي فعالية تتعلق بالتراث، أصبحنا نشجع على استخدام مفردات عربية، ولكننا لا نزال في بداية رسم طريق الهوية الوطنية.
كاتبة اماراتية
التصنيف: