[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. محمود محمد بترجي[/COLOR][/ALIGN]

دائماً ما يتردد إلى ذهني مقولة \”الثورة تأكل أبناءها\” وذلك بسبب قصة أو موقف طريف مر بي , ذات يوم منذ ما يقارب العشرين عاماً أو أكثر بقليل عندما كنت أستذكر لإبني \”عمر\”دروسه, وكما هو معلوم عن منهج الصف الأول الإبتدائي فهو بشكل عام إما حروف أو أرقام, صور لحيوانات أو نباتات, وعند حرف الثاء استوقفتهُ صورة الثور فقال لي وبراءة الأطفال في عينيه وأخيه \”بدر\” يتابع ما يجري في دهشة وذهول : بابا … أنا أحب الثور ولا أحب الثورة ,قلت:الثورة؟ هز برأسه بما يفيد تأكيد الكلمة, قلت : ما هي الثورة , قال لي أنثى الثور يا بابا وأشار بأصبعه الصغير على الصورة ,قلت: ولم لا تحبها , قال: لأني سمعت مدرس اللغة العربية الأستاذ محمد مغاوري يقول لزميله \” الثورة تأكل أبناءها \” لذلك أنا لا أحب الثورة,ضحكت كثيراً حتى كدت أن أستلقي على قفاي كما يقال وقبلتهما وحاولت أن أشرح له معنى الثورة الذي يقصده المدرس المصري والذي و لربما له أسبابه الخاصة في إيراد تلك المقولة أو إقحامها في ذلك الحديث و أوضحت له أن التعميم لا يجوز في كل المسائل لكن صغر سنه وقصوري في توصيل المعلومة حالت بيني وبين فهمه , ومن ذلك اليوم لم تغب تلك المقولة عن ذهننا وتنتابنا نوبات ضحك كلما تذكرنا تلك الحادثة,قبل بضعة أيام أتاني متهللاً ومبتهجاً وعلامات النصر تبدو على وجهه وسألني بكل خبث: هل قرأت الصحف اليوم,قلت؟ نعم,قال : عكاظ,قلت.. جميعها,قال :ألم يلفت إنتباهك هذا الخبر\” ابن أول رئيس لمصر سائق أجرة \” قلت :بالفعل لم أنتبه له ولكن يا إبني لا تستعجل الأحداث وتحكم على المضمون فقط بقراءة العنوان قبل قراءة النص فقد يكون ذلك لشد أو جذب انتباه القارئ وهو أسلوب صحفي متبع, أقرأ علي أولاً الخبر بالتفصيل حتى أحيط بالموضوع علماً ثم نناقش المسألة \” انتهى الحال بابن أول رئيس لجمهورية مصر العربية للعمل سائق أجرة يجوب أقطار مصر , باحثاً عن حياة كريمة وساعياً إلى رأب صدع الحياة القاسية التي أجبرته على هذه المهنة , يعمل يوسف ابن الرئيس المصري محمد نجيب نهاراً سائقاً لدى شركة مقاولات مصرية وليلاً سائقاً على سيارة أجرة لتحسين وضعه المالي ومواجهة الظروف المعيشية الصعبة وطالبت مصادر إعلامية مصرية بتخصيص راتب شهري للابن الوحيد المتبقي لأول رئيس لمصر , ليتمكن من أن يعيش حياة كريمة , احتراماً لتاريخ والده\” صَمَتُ بُرهة لا أعرف ماذا أقول وكأني أُسقطت في يده .
وبالرغم من أننا كثيراً ما كنا نختلف في وجهات النظر حول بعض المفاهيم دون أن يؤثر على الود بيننا لكن هذه المرة كانت بمثابة ضربة قاصمة لم تترك لي مجالاً للنقاش.
والدي العزيز .. نعم يا ابني ,سعيتُ مراراً لتشرح لي معنى هذه المقولة فلم توفق بسبب صغر سني وعدم إدراكي للأمور وكنت دائماً ما أحس بأنك غير مقتنع بها أو قد يكون لأنك ترى أن في التعميم ظلماً وإجحافاً , عموماً اليوم وبعد عشرين عاماً أسمح لي هذه المرة أن أكون أنا من يقدم الشرح الوافي والكافي والقاطع بهذه القصاصة والتي هي أبلغ من أي تعبير ولا أعتقد أنك سوف تختلف معي كما كنت .
فاكس 6602228 02

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *