الثورات العربية.. نجاح منقوص

• بخيت طالع الزهراني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

هل يمكن أن يكون \”الأمن\” معادلاً للحرية والديمقراطية؟.. أرجو ألا يكون هذا سؤالاً اعتسافياً، أو ينظر اليه على انه نوع من الاسقاط على هامش ما جرى ويجري من ثورات شعبية عربية.. لكن ما يثير الحيرة والدهشة الى اقصى حدودهما، ان المتفق عليه عند الكثيرين ان الأمن والحرية صنوان لا ينفكان، وان الأمن هو نتاج شرعي للحرية والديمقراطية، تلك هي المعادلة التي يتداولها الفكر السياسي في العالم المتقدم.
إذن ما الذي حدث للعالم العربي، وتحديداً للشعوب التي ثارت مطالبة بالحرية والديمقراطية؟ فعندما سقط رأس النظام واركانه عندهم فتش الناس عن طرف المعادلة الآخر \”الأمن\” فلم يجدوه، حيث مازال الانفلات الأمني يطل برأسه، ويفرض نفسه شخصية، تتماهى في فضاء واسع، وهذا ما جعل المواطنين هناك مذعورين من العنف والتخريب.
ويظل الأمر المنطقي الا يوضع (الأمن) و(الحرية) كنقيضين وبالتالي لا يجب مطلقاً مقايضة احدهما بالآخر، وبناء على هذا فإن قلوبنا مع اخواننا العرب الذين مازالوا يعيشون حالة مراوحة بين الاستقرار وعدمه، ولذلك يتوجب على كل المكونات السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى المواطن العادي، يجب على الجميع التأسيس لحياة جديدة، ومن اهم محاورها بناء الثقة والتسامح والانفتاح على \”التوافقية\”.
إن الثورات العربية وقد لفتت انتباه العالم كله على الوطن العربي من زاوية اخرى مختلفة، وعلى الإنسان العربي مواطناً كان او مسؤولاً بأية درجة من المسؤولية، وصارت الشخصية العربية الثورية تحت المجهر بشكل متتابع على مدار الساعة، وصار من المتعين على البلاد التي وصلت ثورتها الى الاطاحة بالانظمة، ان يتعاطوا مع المعطيات الجديدة بكل حكمة وخاصة مجموع السياسيين، بحيث يمكن تفادي الكثير من مظاهر الهشاشة السياسية التي كانت قائمة بالاصل قبل الثورات، ونبذ التشنج في العلاقة مع كل الاطراف واظهار التسامح والتغلب على منهج الاستقطاب والاقصاء المتبادل، الذي تلوح بوادره في هذه المرحلة الانتقالية.
إننا عندما نصغى الى ما تطيره وكالات الانباء من اخبار عن حالات متكررة من الانفلات الامني في تونس ومصر مثلاً، فإن ذلك مما يبعث القلق في نفوسنا، لان ما يمكن الاطمئنان إليه، ومما يمكن اعتباره ثمرة من ثمرات الثورة هو توفر اقصى حالات الامن، الذي يعد الرديف الطبيعي للحرية والعدالة التي طالبت بها الثورات اصلاً، اما شيوع الخوف وكثرة الصدامات وزيادة الحوادث الأمنية، فإنها مجتمعة علامات دالة على عدم اكتمال الثورة او بعبارة اخرى عدم تحقيق واحد من أهم اهدافها، وهو الأمن الوارف الظلال، والذي فيه ومن خلاله تتماهى شجرة التنمية، وتدور عجلة البناء، وينطلق المجتمع الى آفاق حضارية افضل.
صحيح ان للوقت دوراً مهماً، ولكن الصحيح كذلك ان ثمة اولويات يتوجب ترتيبها، حتى في غمرة السباق الى اعادة صياغة الوجه السياسي والتشريعي للبلد، وهذا بالضبط هو الدور المطلوب من الحكومات الانتقالية ومعها المؤسسة العسكرية، ولذلك يجب الا يكون الهدف هو \”الشعب يريد اسقاط النظام\” لان هذا في فكر الثورات على مدى تاريخ العالم هدف متواضع، يسبقه ويتأخر عنه اهداف عظيمة اخرى، هي في واقع الامر مجموعة قيام مشروع وطني استراتيجي، تتبناه النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية، من دون الركون الى حالة العاطفة الشعبية المحضة التي يبدو أنها \”ماركة\” عربية خالصة واغلب الظن انها لا تتناغم مع متطلبات العصر الحديث.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *