شهوان بن عبد الرحمن الزهراني

الفتوى الشرعية يبدو أنها أصبحت من أسهل الأمور على بعض الناس، رغم خطرها الكبير على المفتي والمستفتي، ولم يعد يتحرج بعض المفتين من أن يدلي برأيه في أمر قد يكون له تأثيرات جانبية, لأنها تكون في صورة الحكم العام الذي يسري على بعض شرائح المجتمع وليست خاصة بالمستفتي وحده. وتخالف ما استقر عليه الرأي الشرعي وأصبح معروفاً لدى العامة والخاصة. ولهذا فلقد جاء الأمر الملكي بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء محققاً لمصلحة العباد والبلاد من مثل هذه الأخطاء من بعض المفتين والتساهل في إصدار فتوى مخالفة لصحيح النصوص الشرعية والراجح من أقوال العلماء. ربما يرى بعض المفتين أنما يفتي به من باب التيسير، وربما تكون رأي لبعض أهل العلم، ولكنها لا تمت للتيسير بصلة، لأن التيسير لا يكون بمثل هذه الطريقة. بل أنها تسير في الاتجاه المعاكس فتكون في جوهرها من باب التشديد. ومن المعلوم أن من شروط الفتوى أن لا تعارض نصاً قطعياً أو إجماعاً معلوماً. من هذه الفتاوى ما سمعته من خلال إحدى الحلقات التي تذاع في هذا الشأن في إحدى الإذاعات وذلك في سؤالين كانت الإجابة عليهما محل تعجب ودهشة …
الأول : سأل مستفتي، من أنه ينوي الحج ولكن النفقة التي معه من مال حرام فهل يجوز أن يحج بها أم لا.؟! وكان ملخص جواب المستفتى \” أنه يجوز للسائل المذكور أن يحج بهذه النفقة وإن كانت من مال حرام.؟!\”
والسؤال الآخر: سائلة تسأل أنها تنوي الحج ولكن بدون محرم فهل يجوز لها أن تحج بهذه الصفة.؟! وجاء الجواب: يجوز الحج ولو لم يكن معك محرم. واختاري الرفقة الصالحة.!؟ ومثل هذه الفتاوى يثور حيالها التأمل والتساؤل، ما هي المصلحة الداعية إلى مثل هذه الفتوى، وهل المراد بها التسهيل والتيسير على من يريد الحج أم التشديد.؟!
ومن لديه أدنى إلمام بأبسط الأحكام الشرعية في الحج لا يجهل عدم صحة هذه الفتوى ولا يعجز عن إيجاد الأدلة التي تنقضها، فالمشهور والراجح من أقوال العلماء المؤيد بنصوص الشريعة عدم جواز الحج بنفقة حرام، وعدم جواز حج المرأة بدون محرم، ومن هنا فإنه بتدقيق النظر في هذه الفتوى نجد أن القول بجواز الحج بنفقة حرام يعنى التعسير على الناس وليس التيسير، لأنه من شروط الحج الاستطاعة ومن ضمن الاستطاعة وجود النفقة وهي غالباً التي تحول دون حج كثير من الناس، ولكن القول بجواز الحج من مال حرام يعني أن توفر المال والحصول عليه لم يعد صعب المنال، فقد يسرق أو يرتشي أو يختلس أو ينصب أو يكون المال من مهر البغي المهم لا عبرة في مشروعية مصدر المال، فالحرام يقوم هنا مقام الحلال، ومن ثم فكل الناس يستطيعون توفير مثل هذه النفقة، طالما أن المال الحرام لا يؤثر على صحة الحج، وبالتالي تصبح الفتوى من باب التشديد على الناس وأن الحج لا يسقط عن أحد طالما استطاع أن يوفر النفقة بأي طريقة حلال أو حرام.
ومع أنه لم يشتهر في الناس نص شرعي يؤكد جواز الحج من نفقة حرام إلا أنه وبافتراض أن هذا القول قد قال به بعض الفقهاء المتقدمين، فكان عليه أن يبين ذلك بوضوح، بل وينصح السائل بتحري النفقة الحلال امتثالاً لما جاء في النصوص الشرعية الصحيحة الواردة في وجوب النفقة الطيبة في الحج بصفة خاصة لكونه عبادة تعبدية ومالية، لا ليؤيده ويحتج به ويفتي به، وقد يشق به على كثير من الناس، لأن النفقة في الحج تكون غير متعذرة بل متوفرة لكل الناس طالما لا يشترط فيها أن تكون من كسب حلال، وفي هذا دعوة غير مباشرة للسرقة والاختلاس والغش وخيانة الأمانة من أجل توفير النفقة في الحج؟! فهل كان هذا المفتي يدرك خطورة فتواه وكان عليه أن يفتي بعدم صحة الحج إذا كانت النفقة من كسب حرام فالأدلة تؤيد هذا القول وتسانده. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور.] وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ].
أما القول بصحة حج المرأة بدون محرم فهو قول مرجوح هكذا قال العلماء ، لأنهم متفقون على عدم جواز سفر المرأة أكثر من ثلاث ليال وأعمال الحج بدءاً بالسفر ثم العودة تستغرق أكثر من ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم.] فقام رجل فقال: يا رسول الله إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، وقد أردت أن أحج بامرأتي فقال رسول الله [ احجج مع امرأتك ] ثم أنه بتدقيق النظر في هذا القول نجد أنه ليس من التيسير في شيء بل أنه قد يكون من التعسير لأن المرأة إذا كانت لا تجد المحرم وسقط عنها الحج لهذا العذر فهو من التيسير عليها ورفع الحرج ولكن إذا قيل لها ليس شرط وجود المحرم فإن كثير من النساء يجب عليهن الحج ولا يجدن العذر.
اللهم تقبل من الحجاج واجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً.
ص.ب 14873 جدة 21434
فاكس : 6534238
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *