التواصل الوجداني بين المبدع والمتلقي

Avatar

[COLOR=blue]نايف عبوش[/COLOR]
يتطلب النص الإبداعي، مبدعاً يمتلك موهبة فطرية متوقدة، وخيالاً خصباً، ولغة سلسة، تمكنه من استيلاد النص، شعراً كان أم نثراً، في لحظة انقداح ومضته في وجدانه، حيث يقوم المبدع عندئذ، بنقل أحاسيسه المرهفة التي عاشها في تلك اللحظة عبر نصه المنثال عنها،إلى وسطه من المتلقين، لكي يعيشوا تلك المشاعر التي عبّر عنها المبدع، بتفاعل وجداني،وحس عاطفي،باعتبار أن الشاعر بحاجة إلى من يشاركه تجربته الوجدانية ، ولأنه لا يكتب لنفسه فقط، بل وللآخرين في نفس الوقت. لذلك فالنص الإبداعي بخصائصه المعنوية، والفنية ، ما هو إلا خاطرة منسابة من مبدعها إلى المتلقي، بغض النظر عن مستواه الثقافي، وحسه الذوقي، وقدرته الذاتية على الفهم، والاستيعاب، وتوليد مرادات مضافة، لما يرسله إليه المبدع في نصه.ولاشك أن العمل الإبداعي بجودة نظمه، يظل فيضاً متواصلاً يخترق عوالم المتلقي،حيث يداعب دواخله بسلاسة، لينال إعجابه بتلقائية، من غير أن يهبط المبدع إلى ابتذال نصي، يطيح بذائقة المتلقي تكسباً لشهرة زائفة.
ولاشك أن المتلقي بغض النظر عن إمكاناته الذوقية،والثقافية، سيتفاعل بسهولة وتلقائية، مع ذلك النص الإبداعي الذي يلامس همومه بصدق، ويعبرعن معاناته بشفافية،ويمنحه أعلى قدر من المتعة،والغذاء الروحي في نفس الوقت. ولذلك قد نجد المتلقي مع الوقت، يحرص على أن يرتقي بإمكانات ذوقه فنياً، وبجهد ذاتي أحياناً، ليكون على مستوى النص مهما كانت طبيعة بنيته،فالنص كأي معطى إبداعي، هو حلقة الوصل بين المبدع، ومتلقيه، ما دام يتصف بالتلقائية التعبيرية عن الهموم،والقدرة على الإيحاء، والتأثير. وعلى ذلك فان فهم المتلقي لمدلولات النص،وتفاعله الحسي معه،يظل أحد مقاييس تحديد جمالية النص بالحد الأدنى ابتداء،لاسيما وأن النص الذي يبقى مستوطناً في الذاكرة الجمعية،إنما هو في الغالب ذلك الذي يكون وليد لحظات هموم المتلقي، التي نجح المبدع في التقاطها، فصاغها نصاً إبداعياً دون تكلف،بحيث يجد فيه جمهور المتلقين هواجسهم، وأحلامهم كما لو عبروا عنها بأنفسهم.
فالنص وأن كان معبراً عن هواجس ذات القائل، لكنه لا يقتصرعلى مخاطبة الذات وحسب، بل ويتوجه في نفس الوقت إلى الآخرين،فيكون بهذه الخاصية نوعاً من الاتصال التعبيري عن الهواجس مع الجمهور. فالشاعر بما هو إنسان في بيئة اجتماعية معينة في اللحظة التي ينبض إحساسه فيها شعراً،فانه يظل فرداً في مجتمع، هو نتاجه، في العادات، والسلوك، والاندماج الوجداني معه ، وبالتالي فإن انجذابه إلى ثقافة وتقاليد مجتمعه، تظل من دون شك عاملاً مؤثراً، في تكوين نمط أسلوبه الشعري، باعتبارها خميرة تلك النشأة الماثلة في مخيلته، والمستوطنة في وجدانه، حيث تنعكس بإبداعه النص انثيالات تخاطرية بحس مرهف، وفي جو من رومانسية متجانسة مع ارهاصات تلك البيئة،حيث يرغب المبدع في توصيل حقيقة حسه للآخرين تعايشاً ، أو تمرداً على ذلك الواقع. ولذلك يلاحظ أن لكل عمل إبداعي بعدان، أولهما اجتماعي ، ينطلق من فضاء الواقع المعيش، وثانيهما فردي ، ينطلق من خيال المبدع ،حيث يحرص على مخاطبة جمهوره بنصه الذي هو محصلة تفاعل البعدين معاً. وكلما كانت صلة الشاعر بعناصر الحياة عميقة، كلما كان نصه قريباً من حركة عناصرها،بما يجعله نتاجاً مؤثراً في وجدان الناس. فالنص ينبغي أن يعكس صورة أمينة للواقع، ومن ثم فلا بد له من أن يحمل في ثناياه خميرة من إرهاصات ذلك الواقع،لكي يكون عندئذ مزيجاً حياً مع ما يوحيه الخيال المتطلع للمبدع، بما هو مزاج وموهبة ابتداءً.لذلك لا بد لمبدع النص من أن يطلق عنان خياله في التطلُّع، من دون أن يتعمد اختلاق مرموزات نصه، بحيث يقترب فيما يسرده انثيالاً من حقيقة واقعه، رغم أنه يعتمد في سرده للأحداث في بنية نصه على خياله، في استيلاد صورعناصر واقعه الحي، ومن ثم صبها في سياق معين من بنية النص.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *