التقدم الحضاري.. علاقة معطبة بين الزماني والمكاني في ثقافتنا
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد حمّار[/COLOR][/ALIGN]
لو افترضنا من باب الاستعارة أنّ مشروع التنمية من أجل التقدم العلمي والحضاري في البلاد العربية والإسلامية درس والتلاميذ فيه هم الشعوب ومعلّمهم هو المجتمع وهدفهم الأسمى هو الرفع من شأن الإنسان أينما كان.
ثم لو أسلمنا بأن الدرس لم يؤت أكله بعد باعتبار الإخفاق في ثلاثة محاور رئيسية: استرداد الأرض الفلسطينية المسلوبة، ضمان الاكتفاء الذاتي الغذائي وعموما الاستغناء السياسي عن الهيمنة العالمية ومركزها «الولايات المتحدة الأمريكية»، فسوف نندهش من مفارقة عجيبة بين أمرين اثنين وكذلك من الغياب الرهيب لأمر ثالث بدونه لن يستوي الأمران الآخران.
سوف نندهش من الوفرة. أوّلا، وفرة الوسائل التي نمتلكها، مثل «رأس المال» البشري والبترول والأراضي الزراعية، أو تلك الموجودة على ذمّتنا مثلما هي موجودة على ذمّة غيرنا مثل العلوم والمعارف وأدوات التواصل ووسائل الاتصال.
وثانيا، وفرة الظروف الملائمة «مجتمع الرفاهة» التي تعيش فيها نخبنا المثقفة- على الأقل- وهي المعنية أكثر من غيرها بتحريك الفكر وتطعيم الثقافة وقيادة الرّأي.
أمّا موضع الاندهاش فهو عدم تناغم العنصرين بما يكفي ليكون لنا باع وشأن في ساحة الإنجاز الحضاري. ألسنا نتألّم من ضيق ذات اليد في مجالات التنافس مع القوى العظمى مثل مجال أخذ القرار السياسي الدّولي أو مجال التسابق العلمي والتكنولوجي أو مجال الندّية بخصوص التلاقح الثقافي؟
ولسائل أن يسأل، في سبيل البحث عن سبب الإخفاق وعن الحافز البديل للإنجاز الحضاري، عمّا إذا كانت التنمية الاقتصادية لمجتمعاتنا – وهي التي تحتلّ الصدارة في عنونة أسباب الرّقيّ على الأجندة السياسية لحكوماتنا منذ الاستقلال إلى اليوم، وبخاصة لمّا تكون هذه التنمية محكومة بشروط العولمة كمنظومة متكاملة- غاية في حدّ ذاتها أم أنها مقدّمة وشرط ضروري وكاف لفاعلية الفرد ولحركية المجتمع بما هو واجب للإيجابية التاريخية وللنهوض الحضاري.
وإذا افترضنا على عكس ذلك أنّ الأهمّ، منطقيّا، ليس أن ننال درجة المائة بالمائة من النجاح في التنمية بقدر ما يجب أن نضمن حسن استغلال النسبة الّمأوية مع تكديس الحاصل تلو الحاصل، مهما كانت هذه النسبة ضئيلة، في استنهاض الهمم وتفعيل القوى الكامنة في الإنسان من أجل بلوغ الرقيّ الشامل، وجب التساؤل عمّا إذا لم يكن عامل التنمية قابلا للاستغلال «المبكّر» أم أنّ هنالك معيقات تحول دون استغلاله منذ نعومة أظفاره ومهما كانت مرحلة بلوغه، سواء احتلّت المرتبة العاشرة في السلّم المائوي، أو العشرين أ والثلاثين…
على أيّة حال، إنناّ حينئذ أمام مسلّمة: إنّ عدم التناغم بين وفرة الوسائل ووفرة الظروف لا يمكن أن يعزى إلى غياب المضمون. فلا هي أزمة وسائل ولا هي أزمة دين «.
فقد يعود الفشل إلى اختلال في الطريقة التي تمّ بها توظيف تلك الوسائل رغم توفرها وكذلك في الكيفيّة التي استغلّت بها تلك الظروف رغم ملاءمتها، ممّا قد يكون تسبّب إذن في نوع مستعص من الاختلال في المنهجية.
أي أنّ الفشل قد يعزى فعلا إلى غياب، إلاّ أنّه غياب الخطة الهادفة والتصميم المحكم أي المنهجية التي تغني الفرد والمجتمع عن اللهث وراء السراب «تحقيق الاكتفاء الاقتصادي أوّلا ثمّ الإنكباب على ما هو أهم أو أرقى».
نريد، هنا، أن نسلّط الضوء على وجه دون سواه ألا وهو علاقتنا المتدهورة بعاملي الزمان والمكان. ولقد بينّا آنفا في هذا الصّدد أنه من العيب أن نبقى مشمئزّين من بعض الاتجاهات الفلسفية بدعوى أنها منافية للدّين بينما هي قابلة لأن نستعملها كأدوات – إذا توفرت لدينا الإرادة اللاّزمة والوضوح المعرفي الذي يمهّد لهذه الإرادة.
العرب
التصنيف: