[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. رؤوفة حسن [/COLOR][/ALIGN]

ها هو شهر رمضان المبارك يوشك على ان يلفظ أنفاسه اليقظة لهذا العام ويلملم أشياءه الصغيرة، والأرواح القلقة المبعثرة حوله بحثا عن السكينة، ويشد رحاله ويودع.قد يلتقيه بعضنا ثانية،وقد يكون لبعضنا الحظ فنقابل دونه وجه ربنا الكريم.
هاهو يرحل، ولم نكن بعد قد استكنا لغماماته الحانية، ولا وعوده بالأمل في فتح باب المغفرة. شغلتنا أمور الدنيا، وصغائر الأشياء، فأغفلنا قطوف أغصان الإقتراب من جنة الآخرة، وقمنا بالصيام ضمن مهام صغيرة أخرى قيام بواجب، واعتياد طاعة، دون تأمل كاف أو غوص يؤدى الى الخشوع.
هذه السرعة التي رحل بها، ليست أكثر من قياس لسرعة الزمن الذي يمر بنا فلا ندرك الأمر حتى يدركنا قضاء الله. ورمضان وحده يسمح بالتأمل في هذه القضايا دون تلك الحالة في بقية أيام العام من تهرب النفس والعقل عن الحديث عن ضمانة الحياة الوحيدة وهي تاريخ الإنتهاء، وبتعبير الأطباء تاريخ الصلاحية البشرية.
ساعات الوداع:
ككل شيء فانٍ، تحل ساعة الوداع مع هذا الشهر ومع أنفسنا الباحثة عن التقوى فيه ونعود للهرولة ونحن بعد لم نلتقط الأنفاس اللاهثة من السعي في مشارب الحياة وأشغالها الشاقة المؤبدة.
ساعات قليلة بقت كي نمرر الآرواح في لحظات تصافي ومراجعة حساب. الصوم وحده لا يصحح الميزان، ومقياس الحسنات والسيئات المتعارف عليه لدينا ليس بالضبط مقياس الخالق لهذا الكون والمقدر لموازينه بما في ذلك هذا المخلوق البشري الصغير الضعيف المتواجد في كوكب ضئيل داخل مجموعة مجرة ليس لها أهمية في هذا الفضاء الواسع المذهل النابض بالحياة والقوة والطاقة التي تفوق تصور العقل المحدود.
وهنا في الآرض بكل كبرياء وغرور نتعامل مع أنفسنا باعتبارنا سادة الكون الذي لا نعرفه ولا نعرف حدوده، ولا نكف عن غبائاتنا الصغيرة كي نقصر في القيام بالآمانة التي تحملناها ورفضتها السماوات والجبال والكواكب والمجرات والفضاء الفسيح، وننشغل بالسفاسف والتنقيص مما يفعل غيرنا كنوع وحيد من طرق اثبات الذات.
رمضان حده يسمح بكل هذه التداعيات التي تجمع الحياة والموت في كفة متناغمة غير محزنة ولا مثيرة للمشاعر الخائفة. انها فرصة للخروج من الذات وتأملها من بعد كافي عنها، بما يسمح بالمراجعة وإعاد النظر، والتماس الطرق الكفيلة بتصحيح المسار، وطرق الدروب المهجورة، ودخول كهف حراء لروح كل فرد، والمرور بفهم لحالة الوعي والتفكير والتجرد من المحسوسات والتشويش في سبيل الوصول الى القرب من نعمة الخالق القدير، التجربة التي عاشها سيدنا وسيد الخلق محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
حاولت مرة في كهف حق بجزيرة سقطرة أن اصل بذاتي الى هذه الحال عندما مشيت في الكهف العميق كيلومترا وانقطع كل بصيص للضؤ، فرأيت الظلام قابل للملامسة، لكن الخوف كان أقوى
خواتم مباركة وكل عام وانتم وجميع المسلمين بخير.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *