‏البكاء على الماضي موروث ثقافي وكأن معلقة امرؤ القيس لعنة اصابت الفكر العربي فلازال يعيش في ماضيه واقفاعلى أطلاله (قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدخول فحومل) فتتالت قصائد البكاء على الاطلال وحفظها الفكر العربي للحفاظ على تراثه وموروثه وتناقلتها الأجيال جيل من بعد جيل خوفاً من الذوبان في ثقافات الحضارات القديمة .
التمسك بالماضي والخوف عليه والتفاخر به حرم الانسان العربي من نقد تراثه ولغته وعرض كل مَن يتجرء بالنقد او مراجعة ما جاء في هذا التراث الي التعرض للتكفير أوالتفسيق وأقلها إعلان الحرب عليه والتضييق عليه .المفكر والأديب العربي الكبير طه حسين لم ينجو من حرب شعواء جراء نقده للشعر العربي الجاهلي . والويل ثم الويل لمن يجرؤ على نقد قواعد اللغة العربية او المناداة بإصلاحها بالرغم ان من وضع قواعد اللغة رجال اجتهدوا في وضع قواعد للغة شب عليها العربي قبل الاسلام وبعد الرسالة النبوية بدون قواعد وإنما بالفطرة والسليقة.
إن التمسك بالماضي والتعلق به ليس كله غير إيجابي وانما المغالات والمبالغة ومنع النقد والبحوث والتجديد وتربية الأجيال على التمسك بالماضي بجعره وبعره هو الذي يجب التوقف عنده ، او بمعنى اخر يجب ان نفرز الغث من الماضي فأهل الماضي بشر معرضين لأخطاء وليس كل ما جاء منهم غير قابل للتطوير والتعديل والتصويب ، كما أن ما يصلح لهم في ذلك الوقت قد لا يصلح لنا في هذا الزمان وخاصة في النواحي الطبية والأقتصاد والعلوم ، وكذلك يجب التعلم من الأخطاء والعصبيات والقبليات التي شنت الحروب والدمار بسببها ومازال البعض يتمسك بها ويزجيها حتى أصبحت سمة من سمات المجتمعات.
المسؤولون عن التعليم لزام عليهم مراجعة المناهج التي تمجد للماضي وتدير ظهرها للحاضر وتجعل من الماضي والتمسك به الوسيلة الوحيدة للنهضة والانبعاث الحديث للأمة . فالنهضة لا تتأتي الا بعودة الوعي وعودة الفكر والنقد والإبداع . وليس في التقليد والأتباع الأعمى الذي أخرج لنا الإرهابيين من قتلة ومجرمين ينبري للدفاع عنهم بعض من يطلق عليهم طلبة علم ، وهم عن العلم ببعيد . ولا شك أن المصالح السلطوية او المادية والاجتماعية تجعلهم دائماً في حرب مع مخالفهم خوفا على مصالحهم ، ولهذا ضاع الحوار وحل محله القهر والطغيان باسم مكافحة الرزيلة والفساد، وأصبحت بعض المجتمعات العربية بدع عن غيرها من مجتمعات العالم ونموذج لفكر الدمار والتفجير الذي آمن به بعض من الشباب ، فجعل منهم وحوشا بل وأكثر وحشية من وحوش الطبيعة ، فقتلوا المخالف ولم يرحموا صغير ولا كبيراً ولا القريب ولا البعيد.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *