التعافي من هدر الطعام

منيرة المتروك

أظهرت مقاطع فيديو منتشرة مجموعة من الأشخاص في إحدى صالات الأفراح حول مأدبة طعام مليئة بأطنان من الطعام وهم ملتفون حولها ,ليقوم المضيف بعد ذلك بسكب السمن البلدي الخالص لغسل أيدي الضيوف بطريقة إسرافية مبتدعة !!

وأظهر مقطع آخر لآخرين يقومون بغسل أيديهم بأفخم أنواع العود المعطر ، وآخر يتمشى حول مأدبة طعام منتشرة يمنة ويسرة وكأنه في إحدى حدائق الهايد بارك !!

نشرت سبق في أحد تقاريرها الصادمة عن هدر النعم ؛ أن السعودية تعد الأولي عالميا في الإسراف وهدر الطعام وأن مئات الأطنان من المواد التي تنتج عالميا تلقى في حاوياتنا.

هناك فلسفة مغلوطة تخلط ما بين الكرم وإهدار النعم أو ما يسمى التبذير واللذان هما ضدان . فالنعم هي الأولي بالإكرام والاحترام والإحسان إليها بداية قبل زوالها ، أما التبذير فهو الفوضى بعينها والتي من أجلها للأسف تزهق أرواح مئات الكائنات البريئة التي تدعو منظمات حماية الحيوان الى الاحسان اليها وتدعو الى ترشيد استهلاكها وذلك للحد من الكوارث البيئية والتي يعد الانسان السبب الرئيس بها والتي للأسف بدلا من أكلها ترمى في حاويات النفايات.

التقيت بروفيسورا في الأنثروبولوجيا في احدى جامعات كندا العريقة ليحدثني بطريقة مستفزة عن السعودية حيث يقول ” أنتم أغنياء ماديا ولكنكم فقراء فكريا وحضاريا !! وتابع ” انظري الى حالكم قبل النفط وبعده وكيف ان النقلة الانسانية بدلا من ان تضيف حضارة اضافت بؤسا وجهلا !!” وقال ” اعني بالحضارة الاستقلالية الفكرية لدى الشخص النابعة من تفكيره الناقد الذي ينقض موروثات تقلل من انسانيته ” ومثل ذلك بهدر النعم والإسراف وانهى حديثه معي بعبارة “ be careful “ اَي كونوا حذرين .

اعتمدت كندا وتبنت مشروعا يسمى ” food bank” وهو موجود في السعودية حاليا غير انه ليس مفعلا بشكل كافٍ ليخدم الشرائح المحتاجة ، والفارق هو ان كندا جعلت منه صندوقا موجودا في الجامعات والفنادق والمطارات والصالات الاجتماعية بل وحتى الأسواق والاندية الرياضية وتقوم فكرته على حفظ المعلبات بجميع أنواعها وجعلها متاحة لجميع الشرائح بل وحتى الطلبة الأجانب الذين تقطعت بهم السبل يستطيعون الاستفادة منه دون معاناة البحث.

تعيش بعض مقاطعات نيجيريا التي تسيطر عليها جماعات” بوكو حرام ” مجاعات وفقرا مدقعا وتحدثت منظمة أطباء بلا حدود في تقاريرها الصادرة للأمم المتحدة عن حجم تلك المآسي الانسانية وان الأطفال يعيشون مجاعات ويموتون جماعات ويتم حفر مقابر جماعية لهم ، وبسبب نقص الإمدادات الانسانية والطبية في تلك المقاطعات المحاصرة لا يوجد مستشفيات أو مراكز صحية كافية بل لا يوجد حتى ماء صالحا للشرب!! أما الأطفال وبسبب عدم وجود أوردة كافية بأجسادهم لحقن المغذيات الطبية فيتم حقنها في رؤوسهم !! ولا أظن ان نيجيريا سابقا هي نيجيريا حاليا وليعتبر المعتبرون .
• كاتبة سعودية مقيمة في كندا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *