التشهير بالأطفال وتصويرهم

• عبدالرحمن آل فرحان

أظنكم رأيتم كما رأينا ذلك الأب الذي كان يصور أطفاله وهم في حالة من السكر بعد أن شربوا بالخطأ زجاجات الثلاجة أثناء غياب أبويهم في أحد الفنادق خارج المملكة ، كان يصور ثمالتهم بشيء من التشفي والانبساط رغم أن إهماله لهما وتركهما وحيدين هو السبب ، ومع ذلك كان يلاحقهم بالتصوير ويضحك عليهم ،

ولم يكتف بهذا بل قام بنشر التصوير بكل برود ولسان حاله كأنه يقول هاكم اضحكوا يا من تشاهدون أيضاً على أطفالي ، ورأينا آخر يصور أخيه الصغير المتغيب عن مدرسته في مقهى إنترنت ويشهر به بالصوت والصورة وهو يضحك عليه ، ورأينا أخرى تصور أطفالها وهم يجلدون من أخيها (خالهم) وهي تضحك ، ثم نشرت الفيديو لتضحك أيضاً عليهم العالم ، وهكذا ، مقاطع تمطرنا بها مواقع التفسخ الاجتماعي بين الحين والآخر ،

العامل المشترك بينها أن المصور هو الأب أو الأم أو الأخ ، والضحية هو الطفل ، والغاية من التصوير هو الشهرة والانتشار وهوس زيادة عدد المتابعين ، وذلك بإضحاك الناس وتسليتهم على حساب الأطفال وهفواتهم الصغيرة .

انتهاك لخصوصية الطفل وبراءته ، وتعد على كرامته بالإهانات والضرب ، ثم التشهير والفضح المتعمد ، ومن من ؟ من أقرب الأقربين ، أمر مفجع ومريب !! ولا أظن أحداً ممن لم يشاهد تلك الوسائط سيصدقني ، لكن للأسف هذا ما شهدناه في عصرنا الحاضر ، وكأن مروءات البعض وإنسانيته وقبل ذلك أبوته وأمومتها أصابتها لعنة نسفتها من جذورها !! لقد حورتنا مواقع التواصل لكآئنات لاهثة خلف تصفيق المتابعين ، أجهزة الجوال يسمونها ذكية ، لكنها في أيدي بعضنا غدت غبية بامتياز لشدة ما ينشر عبرها من الغباء والحماقة ،

فالأب الذي كنا نراه سقف بيته دوماً ، لأنه هو من يحميه ويحمي خصوصياته وأسراره ، ينقلب في ثورة التواصل والاتصال إلي ثقب كبير تتسلل منه زلات أطفاله البريئة ، والأم التي عهدناها حضن بيتها والمستودع الآمن لأخطاء كل من فيه مهما كانت مريعة ، تغدو اليوم بوابة مفتوحة المصراعين على ما لا ينبغي أن يراه الناس ، حتى الأخ الذي كنا ولا زلنا نسميه العزوة ، هو الآخر يجر ضحكات الشامتين من خلال جواله على إخوانه الصغار ، لماذا كل هذا الانحراف المجتمعي ؟ ولماذا يكون ضحيته دائماً الطفل ؟ هل لأنه الطرف الأضعف في الأسرة ؟ أم لأنه لا يثق بأحد في الدنيا غير والديه وإخوته فكان لزاماً عليه ألا يصدق حتى هذه الثقة بعد اليوم ؟

يا معشر الآباء.. ما من طفل إلا وسيكبر ، فلا تجعلوا أطفالكم يكبرون في مجتمع لديه ذاكرة سيئة عن فلذات أكبادكم ، صوروهم واستمتعوا ببراءتهم لكن فيما لا يضرهم فيما بعد ، ولا يكون سبباً في السخرية منهم مستقبلاً ، كل صورة أو مقطع تنشرونه عن أطفالكم بهدف إضحاك الناس وتسليتهم يعد سلاحاً مؤجلاً ضدهم يوما ما ، فاتقوا الله في أطفالكم ،

ولا تقحموهم في هوسكم بالشهرة والانتشار ، وإذا أردتم أن تعالجوا أخطاءهم فعالجوها بالطريقة التى تودون أن يعالج الناس بها أخطاءكم ، بالنصح والمحبة والكتمان ، وتذكروا .. الأطفال ليسوا دمى من البلاستيك بلا مشاعر أو أحاسيس ، إنهم بشر مثلكم ، يؤلمهم التشهير مثلكم تماماً.
@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *