التخطيط والاقتصاد أم التخبيص والفساد
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. منصور الحسيني[/COLOR][/ALIGN]
قد تدعي أنك مخطط جيد وتُخرج للعالم مخططات مكتوبة ولوحات ملونة تعكس ما سيكون عليه الوضع إذا ما تم تنفيذ مخططك، وقد يجد المتلقي أن الخطط التي صُرفت عليها المليارات تحققت ولو بنسبة 85% بالمائة مما شوهد في اللوحات وسمع في القاعات عن هدف الخطة والنتائج المرجوة منها، عدا هذا يتحول المسمى من تخطيط إلى تخبيص كمختصر محلي يقبل كل أنواع التأويلات والمدافعات، السبب يعود إلى أن أي تخطيط لابد وأن تكون له ركيزة رئيسية إقتصادية، بدءً من تكلفة التخطيط وبالذات عندما يصاحب عرض الخطة أعمال ليزرية بطريقة بهلوانية، مروراً بمبلغ تنفيذ الخطة الذي يجب أن يكون فلكياً لكي يظن المتلقي أنه سيصل للغاية، وانتهاء بالنتائج الإقتصادية التي يجب أن تتحقق ولا يمنع تحققها غير الفساد الذي يمارسه من يسمون أنفسهم مواطنين.
التخطيط ليس مجرد فكرة يتم تحليلها برعونة لعرضها في قوالب يصنعها المُخطِط تباع على المستفيذ، إذا كنت تخطط للإبحار بمركب شراعي في قناة ولم تدرس الطريق مسبقاً للتأكد من ملأمة إرتفاع الجسور التي تعبر القناة بإرتفاع شراع المركب، سوف يكون مصيرك بالتأكيد الوقوف عند ذلك الجسر أو العودة من حيث جئت إذا تمكنت من فعل ذلك، هي كذلك الخطط الحكومية تحديداً لأنها تحتاج لدراسة ملائمة للبئة، الأنظمة، الوقت وعوامل كثيرة قد تعيق تحقيق الرؤية الوردية التي يحاول المخطط أن يجعلنا نعيشها ونتحدث عنها ثم نصرف عليها، وعندما لا تتحقق أو تأتي بعكس المتوقع يصبح من السهولة بمكان التعليل بأن تلك الجسور هي سبب عدم تحقيق الغاية، الأمر الذي يتقبله الجميع وكأنه شيء هبط علينا من الفضاء ولم نكن نعرفه!
ما يجعل الخطط الوردية تتحول إلى برشومية هو الفساد، وما ينعش الفاسدين هو علمهم القين بأنه لاتوجد رقابة بأثر رجعي على من خطط؟ من أعتمد ونفذ وبناء على ماذا؟ ومن أصبح مليونير بعد ما كان في القريب مديونير ولا يزال على رأس العمل أو حديث عهد بالتقاعد المثمر؟ الإقتصاد هو عصب الحياة الذي لا يتحقق بدون تخطيط يراعي كل المعطيات، والتخطيط لن ينجح بدون مراعاة العوامل والآثار الإقتصادية، وكلاهما لن يلتقيا أو يثمرا طالما أن هنالك فساداً تسببه وترعاه أنظمة لا تحاسب المخطط والمنفذ ومن ساعدوهم عندما يكتشف أن النتيجة لما خطط له مقابل ما صرف عليه توضح بالعين المجردة وبدون الحاجة للاستعانة بمحققين ولجان أن التخطيط تحول من وسيلة لتقوية الاقتصاد إلى مسرحية عنوانها الفساد.
لن يستقيم التخطيط وبناء عليه لن ينتعش الاقتصاد ويقوى بدون قوانين تحاسب الفاعل لصالح المفعول به، وقبل الأنظمة الرقابية يتحتم على من يعيش مرحلة تنمية أن يضع الحوافز نصب عينه كأساس بشري لا يمكن إغفاله، الكل من الوزير إلى الغفير يحتاج تحفيزاً لكي يحافظ على المليارات التي يجب أن يصرفها بتفانٍ يعود عليه هو ايضاً بفائدة شخصية لأنه اجتهد وحرم عائلته منه لأوقات طويلة لا تعوض وصحة لا تسترد، ولكي يكون الوضع قابل للمحاسبة بأثر رجعي فيتحقق مبدأ الثواب والعقاب أو نزيد من استيراد المواد المسلية لمتابعة المسرحية.
عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا
التصنيف: